ابطالها الطيارين
احمد كمال منصوري , حسن لطفي
معركه لم اكن اعلم عنها شيئا حتي يوم الجمعه 19 ديسمبر 2008 ، معركه طويت
احداثها سريعا بسبب توقيتها ، فهي قبل حرب اكتوبر بعشرة اشهر تقريبا ، وغطت
احداث الحرب عليها سريعا.
أقسم بالله لمن يقرأ تلك السطور انني لم اكن لاصدق سرد تلك المعركه لولا
انني سمعتها من فم اللواء طيار احمد كمال المنصوري وهو بطلها ، ربما يظن
البعض سريعا ان الرجل يحاول تمجيد نفسه ، لكن الرجل ظل صامتا خمس وثلاثون
عاما و عشر أشهر كاملين لا يتحدث و لا يمجد نفسه حتي وصلنا اليه لنحاول ان
نبعث تلك المعركه مرة اخري من ظلمات التاريخ المصري الناصع و الذي حكم عليه
بالقتل عمدا.
الجميل أن من دلنا علي هذا البطل الصامت هو قائده اللواء تميم فهمي قائد
السرب 49 مقاتلات في حرب اكتوبر ، و عندما تحدثت مع اللواء تميم عن رغبتنا
في نقل بطولته الي الورق لتعرفها الأجيال الحالية و القادمة رد علينا
متهكما ((عايزين قصه بطل ؟ اسألوا عن الطيارين المصريين كلهم ، كلهم ابطال
لكن ابدأوا مع المنصوري فقد قام باعمال يشيب لها شعر الطفل الرضيع )) لاحظ
كلمه ابدؤوا.
أيعقل هذا في هذا الزمن ؟ هل مازال هناك انكار للذات و تقدير للبطولة من رجل لاخر تحت قيادته !؟
كان من الممكن ان ينسب اللواء تميم فهمي تلك البطولات لنفسه و ننشرها نحن ،
و نحن لا نعلم الحقيقيه مثل ملايين اخرين ينسبون لانفسهم فضل و مكانه لا
يستحقونها ، لكن الرد الصادق ارسلنا الي البطل الحقيقي في نظره , أرسلنا
إلي اللواء احمد كمال المنصوري الذي قال عن قائده اللواء تميم فهمي أبيات
من الشعر تقال الان لمن هم في اعلي المراكز فقط رغبه في كسب الود و انتهاز
الفرص ، لكن الاثنين علي المعاش الان و ليس بينهم غير كل صداقه و ود و
احترام و الأهم من ذلك زماله الحرب التي نحتاج مثلها أمصال و أمصال لكي
يلقح بها الجيل الحالي ، قال في حقه انه كقائد سرب كان يطير مثلهم و يربط
في الطائرة لساعات مثله مثل اصغر طيار عنده في السرب و يعلمهم كل ما يعرفه و
ينقل إليهم خبراته ، مشاعر طيبه تكاد تندثر الان في مجتمعنا.
أما المقاتل الشرس احمد كمال المنصوري فحكاية من حكاوي الاساطير التي لو لم
تكتب و تمجد الآن ربما تضيع في ادراج التاريخ المتخمه بأوراق و بطولات
أخري مماثله, هذا الرجل أوصى بدفن وثائقه معه عندما يموت لانه لم يكن يعلم
ان بمصر رجال و نساء شباب و أطفال يتعطشون لتلك البطولات كتعطش التائه في
الصحراء لجرعه ماء.
فما هي وثائقه التي اكدت قصته و جعلته يلاحظ أن شعر رأسي وقف عندما اطلعت
عليها، نعم شعر رأسي وقف بالفعل من الدهشه من الكنز الرابض امامي و أيضا
احتراما و إجلالا و تقديرا و خشوعا لتسجيلات صوتيه من كابينه طائرته و بين
برج المراقبة فيها سرد موثق و واضح لسير المعركة التي دامت ثلاث عشر دقيقه
، خشوع و تقدير للحظات يقاتل فيها اثنان من الطيارين المصريين اثني عشر
طيارا اسرائيليا بمفردهم، لحظات فيها ثماني واربعون صاروخ اسرائيلي جو جو و
أكثر من ثلاثون الف طلقه تواجه اربعه صواريخ مصريه و ربعمائه طلقه فقط و
الأهم من ذلك لحظات ذٌلت فيها الفانتوم الاسرائيليه بطياريها الاعلي في
العالم امام الميج المصري بطياريها الابطال .
إن هذه المعركة تجعل الفرد منا يحس بضاّله حجمه مقارنه بهؤلاء الابطال
العظام و يجعلنا نتسأل ما الذي نستطيع ان نقدمه لديننا و لبلدنا لكي يعودوا
كما كانوا، ففي البداية أو النهاية الطيار المنصوري رجل عادي مثلك انت ، و
مثلي أنا لا يزيد عنا بشئ غير الايمان المطلق بالله و بمشيئته ، فعندما
قابل طائرات العدو المتفوقه كما و كيفا و في كل شيء ممكن في ذلك ، الوقت لم
يفكر الا في شئ واحد ونقلا عن لسانه اقوله مرة اخري
(( كنت أحافظ علي عذريه مصر من الاسرائيليين ، مش معقول يهود يخشوا يغتصبوا
امي امامي و اقعد ساكت )) ساترك للقارئ تقدير تلك المقوله ومقارنتها بما
يحدث الآن.
كان الحديث ملتهبا بحماس هذا الرجل و الذي يفوق حماسا و حبا للوطن عن حب
الابن لامه ، و بعد دقائق من الحوار فتحت موضوع كثيرون يعرفونه و غاضبين
منه ألا و هو الفيلم الذي انتجته قناه متخصصه في القتال الجوي تحت اسم
Crazy Egyptian Pilot و تم وضعه على موقع الانترنت Youtube
و الذي يصور معركة
جوية حدثت في شهر أكتوبر عام 73 بين طيار مصري و آخر إسرائيلي و قام الطيار
المصري بمناورة جريئه جدا طبقا للوصف الاسرائيلي لكنها فشلت و مات الطيار
في النهايه لتحسب انتصارا للطيار الاسرائيلي ، و إذ باللواء احمد كمال
المنصوري يضحك بسخرية و يسألنا هل تودون مقابله الطيار المصري الذي شارك في
تلك المعركه ؟؟؟ سؤال صدمه ما بعدها صدمه لنا.
فانا واحد من الذين انبهروا بدقه اخراج هذا الفيلم و عرضه علي موقع عالمي
واسع الانتشار بالاضافه الي ان شهاده الطيار الاسرائيلي بجرأه الطيار
المصري و كفاءته كانت عاليه لكن الطيار الاسرائيلي كان الافضل ولدت لدينا
احساس بان القصه حقيقيه حتي النخاع, لكني وقعت فريسة لإعلام الصهيونية مرة
أخري و تناولت السم في طبق الحلوي كعادة و العرب.
ضحك الرجل من انبهارنا بسؤاله و انطلقت أسئلتنا سريعا لكن خفف من سرعتنا بضحكه متواضعه قائلا
(( الطيار المجنون ده اللي في الفيلم اسمه حسن سالم الرافعي و هسمعك صوته
بعد قليل ، و أنا كنت قائده في الاشتباك ده ، حسن طار معايا 52 طلعه عمليات
في حرب اكتوبر 73 و مازال حي يرزق حتي الان ))
ثم استطرد غير مبالي بدهشتنا البالغه مما نسمعه (( المناورة دي احنا
اخترعناها و تدربنا عليها كتير جدا جدا ، و نستخدمها لما يكون الموقف صعب
ومش قادر تفلت من الطيار الاسرائيلي ، في الاشتباك ده يوم 24 اكتوبر 73 كنا
فوق الثغرة و الطيارة اللي في الفيلم خذ بالك من المثلثات البرتقاليه اللي
علي الجناح ، دي علامات جنوب افريقيا – المهم ان المناورة دي لها ثلاث
نتائج محققه اولها ان الطيار الاسرائيلي يرشق في الارض او ان الطيار المصري
يفلت من الطيار الاسرائيلي و يركب ذيله أو أن الطيار المصري يرشق في الارض
، لكن اللي الاسرائيليين لم يعرفوه اننا تعلمنا من الطيارين الباكستانيين
في سوريا تكتيك الطيران بسرعه صفر وده هما فوجئوا بيه في حرب اكتوبر و
عملنا بيه نتائج كويسه جدا جدا ، المناورة دي كنا مسمينها في السرب مناورة
الموت و كنا متدربين عليها كويس جدا جدا لدرجه اننا كنا بنفذها ليلا يعني و
الدنيا كحل و محدش شايف حاجه ، وحسن الرافعي عايش ويقدر يحكي لكم عليها
بالتفصيل )) الرسالة واضحة وضوح الشمس فالمناورة مصريه و ليست مناورة يأس
كما صورها لنا الفيلم و الطيار المصري حي يرزق و قد استمعت إلي صوته يصف
تلك المعركه في تسجيل صوتي من عام 1973 و لم يمت كما صور الفيلم
لقد استمعنا الي تسجيلات معركه 15 فبراير 1973
بكل دقه ومعها ترجمه لما يتعذر علينا فهمه من اللواء المنصوري ، و اعتقد
انه من الواجب بل من الحتمي علينا ان ننقل تفاصيل ما سمعناه لك حتي لا تضيع
تلك المعركه و سجلها و أسماء أبطالها في أدراج النسيان.
أتمني أن استطيع أن أقدم للإسلام و لمصر و لو مثقال ذرة من الانتماء الذي
يملئ اللواء طيار احمد كمال المنصوري و هي قصه حقيقية 100% و صورها أيضا
تخص اللواء المنصوري شخصيا.
معركة الدقائق الثلاث عشر
كنت اجلس مربوطا الي كرسي طائرتي ضمن اربع من طياري الحاله الاولي في قاعده
بني سويف الجويه ، كان الجو صحوا و شمس الشتاء تشع نورها علي فترات ، كنا
علي اعتاب فصل ربيع عام 1973 فشهر فبراير مازال في منتصفه ، و بروده الجو تظهر علي فترات لتذكرنا بفصل شتاء قاس مر بنا.
بينما اجلس داخل طائرتي و احزمه الكرسي تشدني بقوة الي الطائرة وكأنني جزء
لا ينفصل من اجزاءها، تطلعت ببصري لاطمئن علي رفاقي ، ثلاث من طياري
المقاتلات يقبعون داخل طائراتهم المسلحه انتظارا لاي طارئ لينطلقوا خلفي
الي السماء مدافعين عن قاعدتهم ووطنهم وبلدهم ـ كلما انطلقوا انطلق معهم
ملك الموت ، فهذا الملك مصاحب لنا في كل طلعه نكاد نحس به ونراه اثناء
القتال الجوي المتلاحم مع العدو وحتي اثناء التدريبات ، فقد مات من
الطيارين الشباب اثناء التدريبات اكثر ممن ماتوا خلال النكسه وحرب
الاستنزاف وهو دليل علي وحشيه التدريب وقوته.
أحسست بالملل يتسرب الي بدون ان أشعر ، فدوري في الحاله الاولي يستمر لمده
ثلاث ساعات طويله ومؤلمه ، هربت من الملل بتذكر ابني عمرو فأحسست بالالم
فجأه ففي اخر مرة كان معي بالمطار ، كنت مربوطا الي مقعدي في الحاله الاولي
كما انا الان ، وانطلقت الخرطوشه الخضراء في سماء المطار ، معلنه حاله
طوارئ واقلاع طائرات الحاله الاولي فورا ، كان عمرو علي رجلي داخل كابينه
الطائرة يتعلم مني الطيران نظريا ونلهو قليلا ، لكن الخرطوشه الخضراء تعني
لي ان مصر في خطر ، مصر تنادي علي ان احميها ، فما كان مني الا انني القيت
بابني من الكابينه في رد فعل تلقائي وغريزي لكي اقلع في اسرع وقت ، واقلعت
سريعا لدرء الخطر عن مطاري وعندما عدت الي المطار ، وجدت ان رجل ابني قد
ُكسرت ، فأحسست بالالم رهيب ومازلت احس به كلما تذكرت تلك الذكري ، لكني
اعود واوقول لنفسي ان الموقف لو تكرر لاتخذت نفس الموقف ، فما وزن ابني
فلذه كبدي مقارنه بمصر ؟ لا وزن له نهائيا فكل شئ فعليا يهون في سبيل مصر ،
وما حدث لي كرد فعل تلقائي أكد ذلك وادركت بعده أن مصر قد استولت علي
تماما ، ولم يعد هناك حتي لابني مجال للمنافسه امام حبي لمصر.
لقد أثرت فينا نكسه يونيو 67 تأثيرا عميقا وادت الي وجود عقده نفسه لدينا ،
عقده جعلتنا نهرع الي الصعود للجو كلما لاح في الافق شبه خطر ، فلم نعد
نطيق ان نظل علي الارض وطائرات العدو تعربد في السماء منتهكه سمائنا وارضنا
فأصبح الإقلاع الفوري جزء من تدريبنا وتطورنا في ذلك التدريب لنصل لمستوي
راق جدا أثار دهشه الخبراء السوفيت أنفسهم ، فالثانيه تصنع فارق رهيب بين
طائرة تصوب نيرانها علي ، او ان اصوب عليها أسرع منها ، فالثانيه دهر في
عالم الطيران ، ثانيه واحده تضعني في موقف المطارد بدلا من الطريد ، ثانيه
تعيدني حيا لمطاري او تعيدني الي خالقي.
أحسست بغصة في حلقي عندما تذكرت نظرات لوم ابني لي وهو يتألم من رجله
المكسورة عندما عدت من الاشتباك ، وظلت نظرات الالم تطاردني في كل مكان
وانا اتذكرها لكنني طردت تلك المشاهد من عقلي عندما تناهي الي اذني صوت
تلبيغات من قواعد جويه ومحطات رادار مختلفه برصد تشكيل معادي يقترب من قطاع
الجيش الثاني ، يا له من شعور قاس مرير ، قطاع الجيش الثاني علي مسافه
مائتي كيلو من مكاني وهناك بدل المطار ، اثنين وثلاث واربع ، بل اكثر من
خمسه مطارات أقرب مني الي هذا التشكيل وتمنيت لو كان هذا التشكيل المعادي
قرب مطاري ، لو كان قريبا لكنت ...... و ...... و....
نظرت الي رفاقي فوجدتهم متابعي التبليغات علي اللاسلكي بأهتمام بالغ ، لا
استطيع ان اصف ما يحس به هؤلاء الرجال الذين لم يبلغوا منتصف عقدهم الثاني
بعد ، شعور مرير استمر لسنوات ثلاث بعد وقف اطلاق النار عام 70 واصبحنا
نمضي في التدريب وقتا ومجهودا اكثر مما نمضيه في اي شئ اخر في الحياه ،
تدريب فقط منذ ثلاث سنوات حتي الان ، واصبح الشوق لقتال العدو يمثل شوق
الجائع لوجبه دسمه ، لكن التعليمات الصادره هي تجنب الاشتباك مع العدو قد
الامكان ، وهي تعليمات زادت من القيد المفروض علي اعناقنا بجانب قيد
اللاسلم و اللا حرب.
كان من الصعب علي كقائد تشكيل ان اكبح جماح رجالي معظم الوقت ، فهم شباب
وملئ بالحماس والعزة والكرامه وحب الوطن ، وكان وجودهم علي الارض خطرا
كبيرا مع مرور الوقت ، فانا اعيش معهم تماما كل يوم وكل ساعه وكل دقيقه
واعرف ماذا يفكر فيه هذا او ماذا يريد ذاك ، لقد انصهرنا منذ مده في بوتقه
واحده تسمي السرب 49 قتال واصبحنا عائله واحده ومنزلنا المطار ، فكان
طبيعي ان اتعرف علي ما يفكر فيه اي من الطيارين الثلاث وهو يستمع الي
تبليغات غرف العلميات بمسار التشكيل المعادي ، والذي اتضح لي من مسارة انه
تشكيل استطلاع اسرائيلي ، فهم يتجولون في سمائنا بكل حريه كأنها بيتهم ولا
حق لنا في طردهم بناء علي اوامر القيادة.
تابعت التبليغات بكل انتباه ، فطائرات العدو اخترقت خطوط قواتنا شمال فايد
واتجهت جنوبا لاستطلاع الجيش الثالث بكامله وكانت بذلك تقترب من السويس
والمسافه تقل بينها وبيننا ، وبنظرة سريعه مع الطيارين اعطيتهم أمرا
بالاستعداد ، كان الدم يغلي في عروقي بشكل رهيب ، فقد خيل لي ان تلك
الطائرات تدخل محاوله اغتصاب امي مصر ، ولابد لي ان احافظ علي شرف أمي ولا
يجب ان اسمح لتلك الطائرات بان تستمر في تلك المهمه بدون ان نعترضها.
كانت الأوامر المعروفة هي ترك طائرات الاستطلاع المعاديه تقوم بمهامها في
الاستطلاع بدون التعرض لها حتي عمق ثلاثين كيلو متر من خط القناه و في عمق
دفاعاتنا ، و كان تكتيك القيادة العامة غير مقبول بالنسبة لنا كطيارين شباب
متحمس او كما كان يقول عنا الرئيس عبد الناصر شباب متهور ، فقبلنا الامر
الواقع و نفذنا التعليمات علي مضض و كلنا نكتم غيظنا و نتمنى أن يصدر لنا
الامر بالاشتباك.
استمرت الطائرات المعادية في تحركها تجاه الجنوب ومرت فوق السويس وكان
اتجاهها مستمر في الجنوب وكانت مستمرة في الاقتراب من انتهاء مهمتها.
نظرت إلي الطيارين الثلاث ووجدت الغضب يجتاح الملامح والاعين تطلب الاشتباك
، وفي لحظه ما لم اتمالك نفسي وانا استمع الي بلاغات غرف العلميات وقدرت
الموقف سريعا ووجدت انني ارفض ان تنتهك بلدي بالقوة واظل علي الارض، واتصلت
بضابط العمليات الطيار كسيبه في برج المراقبه وطلبت منه ان يضرب خرطوشه
اقلاع لاربع طائرات من المطار (فنجر فور- اربع طائرات ) فأطلق الرجل خرطوشه
اطلاق طائرتين بالخطأ ، وعلي الفور انطلقت بطائرتي ومعي الطيار حسن لطفي ،
بينما انتظر الطيار صفاء الدين مصطفي كامل ومعه الطيار حسن الرافعي الامر
بالإقلاع.
و فور الإقلاع و فتح اللاسلكي للاتصال بغرفه علميات المطار لاخذ التوجيهات
بالاتجاه والارتفاع من الموجه الارضي رفعت الجمل ،و فور بدء عمل اللاسلكي
بدأت اسمع صوت الموسيقي الجنائزيه علي موجه الاتصال الخاصه بنا والتي تعود
الاسرائيليين ان يبثوها علي تردداتنا اللاسلكيه للشوشرة والتشويش علي
اتصالاتنا والتي يقوم رجال من الخبراء السوفيت لدينا بتبليغها للاسرائيليين
اول بأول وكنا نعلم ذلك ونتفاداه ، وكان الهدف من هذه الموسيقي هي بث موجه
من الاحباط في نفوسنا ، لكننا تعودنا علي نقل موجه الاتصال الي موجه اخري
تبادليه يعرفها المصريين فقط ونحتفظ بها سرا لانفسنا ونغيرها بأستمرار
أقلعت ومعي حسن لطفي واشرت له باشارة فور بدء اقلاعنا بأننا داخلين علي
اشتباك مع العدو ولن يكون الامر كما تعودنا من قبل مجرد تحرش وتهويش ، وكنت
اعرف ان حسن مثلي تماما يسعي للشهاده بكل قوة
وبدأت اطلب التعليمات بالاتجاه والسرعه من الموجه الارضي ، وبدأ الموجه
الارضي اعطائي شرح كامل لموقف العدو – وكان اسم مطار بني سويف الكودي هو
صفوان واسمي الكودي جاجوار ليدر
(قائد الفهود السوداء)
من صفوان الي جاجوار ليدر (( تشكيل العدو عبارة عن فينجر فور ماشي وسط خليج
السويس و سيكش غرب الزعفرانه بـ اربعين كيلو )) اي ان عدد مقاتلات العدو
سته طائرات
جاجوار ليدر (( اوكي دخلني عليه علي طول ))
صفوان (( اتجه اتجاه 150 درجه وارتفع الي ارتفاع 4 كيلو، ارتفاعات المعادي 4 كيلو و 3 كيلو ونص ويتجه للشرق))
جاجوار ليدر (( دخلني عليه علي طول ))
صفوان (( مش هنلحق ))
جاجوار ليدر (( هافتح الافتر برنر )) – اي زياده سرعه الطائرة للسرعه القصوي
كان الملاحظ لي فور اقلاعي ان الموجه الارضي ينفذ التعليمات الصادرة له
بتجنب الاشتباك وظهر ذلك جليا بانه يخبرني بأنني لن الحق بطائرات العدو رغم
ان المسافه بيننا 150 كيلو فقط وفي اتجاه متقابل ، اي انني يمكن ان اشتبك
معها بسهوله ، ولم يكن احد غير الله وحسن لطفي يعلم بنيتي في الاشتباك
الفعلي ، لذلك توقع الموجه الارضي انني ساظل اناور بعيد عن الطائرات
المعاديه طمعا في ان تخاف وترتد لكنني كنت قد حزمت امري فور الاقلاع بانني
مقلع للاشتباك مع العدو وليكن ما يكون حتي لو ادي ذلك لنشوب الحرب .
وفتحت السرعه الي السرعه القصوي وعلي يساري حسن لطفي ، وبعد ثوان اقلع حسن
الرافعي ومعه صفاء الدين خلفنا لكنهم لم يعرفوا اتجاهنا ومكاننا بعد واسمهم
الكودي جاجوار 3 و 4
صفوان (( الهدف بدأ يتجه لليمين المسافه 150 كيلو الساعه 11 بالنسبه لك ))
توضيح من الكاتب
الساعه 11 – ضع نفسك مكان مركز عقارب الساعه ستجد علامه الساعه 11 امامك الي اليسار قليلا
جاجوار ليدر (( اوكي ))
صفوان (( جاجوار 3 اتجه الي اتجاه 150 كيلو ارتفاع 4 كيلو ))
بدأ الموجه في بني سويف حشد الطائرات لكي يستعرض القوه امام قوه العدو
الجويه لكنه لم يكن بنيتي في الاشتباك وعدم تنفيذ تعليماته الملاحيه
جاجوار ليدر (( صواريخ اون )) اي تسليح الصواريخ
جاجوار 2 (( روجر )) اي علم وتم تسليح الصواريخ وهو اخر احساس اقوم بتوصيله
لزميلي عبر اللاسلكي الا وهو اننا داخلين للاشتباك الفعلي
صفوان (( جاجوار ليدر – موقف العدو كالاتي فيه فينجر فور معادي شرق الزغفرانه مسافه 20 كيلو ارتفاع 5 كيلو ويتجه شمالا ))
ولم ارد علي الموجه الارضي وقتها فهو يقوم بتوجيهي علي الابتعاد عن العدو
بينما اخبرت صفاء في اللاسلكي انه هو جاجوار ليدر لكي ينفذ تعليمات الموجه
الارضي ، وبدأ تشكيل صفاء والرافعي في الدوران لتنفيذ تعليمات الموجه لي
انا ، وقد قصدت بذلك ان ابعد الموجه عني وان يستمر في الحوار مع صفاء وهو
يظن ان يحدثني انا ، وعندما ظهر له علي الرادار ان هناك طائرتين تقتربان
بسرعه كبيرة من تشكيل العدو ولا ينفذ التعليمات ، اصدر الموجه تعليمات
بأقلاع فينجر فور من مطار بير عريضه واسم المطار الكودي هو الربيع بينما
التشكيل اسمه الكودي ليدر 1
وبدأ الموجه اعطاء تعليمات لتلك الطائرات بقياده قائد السرب كمال فخر الدين
بتدعيم تشكيل طائرتي لكي يظهر لليهود ان سته طائرات مصريه وخلفهم طائرتين
خلفهم تقتربان منهم فيقوموا بالغاء مهمه الاستطلاع
لكن ما حدث غير ذلك .
فقد استمر جاجوار 3 بتنفيذ تعليمات الموجه لي انا ، فظل يدور في دوائر حول
المطار بينما الموجه يحاول باستماته ان ينفذ تعليمات الاشتباك بعدم
الاشتباك
صفوان (( ليدر 1 انت طالع من الربيع ؟))
ليدر 1 (( ايوة ))
صفوان (( اتجه اتجاه 180 ))
وكان الموجه في حيرة كبيرة فانا لا انفذ التعليمات الصادرة وأستمر في
الطيران باتجاه مستقيم بينما ينفذها تشكيل صفاء والرافعي والفارق بيننا
يزيد باستمرار والمسافه تقل باستمرار بيني مع تشكيل العدو
صفوان (( ليدر 1 هتخش علي جاجوار 1 عشان تكونوا تشكيل واحد))
المنصوري (( بس دخلني علي الناس اللي هناك )) اقصد الاسرائيليين
صفوان (( الناس اللي هناك لسه علي مسافه 120 كيلو )) لم يكن ذلك صحيحا ففي
نفس الوقت كنت اري العدو بالعين المجرده ففي تلك الثوان رصدت اربع طائرات
معاديه (فينجر فور) بينما هناك طائرتين (سيكشن ) يطير علي ارتفاع منخفض جدا
فوق سطح الماء ، وهو تكتيك اصبحنا نحفظه تماما ، فالهدف مما يقومون به هو
ان ارتفع للاشتباك مع الطائرات الاربع التي اراها جيدا ، في تلك اللحظه
تطبق علي الطائرتين اللتين تطيران علي ارتفاع منخفض وتطلق النار علي في
مقتل ، وانا متأكد تمام التأكد ان قائد هذا التشكيل عندما رصدنا في البدايه
تأكد انه بصدد مقابله طيارين هواه ومجانين ، فطائرتين ميج 21 مسلحتين
بأربع صواريخ واربعمائه طلقه ككل تدخل في مواجهه ست طائرات فانتوم مسلحه ب
ثماني واربعين صاروخا وما يزيد عن ثلاثين الف طلقه .
لذلك كنت اكاد اري ابتسامه السخريه علي وجه قائد التشكيل الاسرائيلي وهو
يعطي اوامرة بنصب كمين لهؤلاء الهواه الذين يدخلون النار ، لكنهم يقينا لم
يكن يعلم انه امام طياري مصر الذين يطلبون النصر والشهاده معا واننا كنا
ندخل هذه المعركه بدافع النصر وليس الانتحار، فلدينا من الثقه في أنفسنا
ومعدتنا اكبر من ان ننتحر .
ورغم نداءات الموجه الارضي لي المتكررة وقائد تشكيل بير عريضه للانضمام الي التشكيل فلم ارد لانني
High Speed Attackبدأت بالفعل تنفيذ عمليه هجوم سريع
كنت اهدف الي الارتفاع خلف الطائرات الاربع الطعم لي ، ثم التف في مناورة
مفاجئه الي الطائرتين اللتين في الخلف لاهاجمهم بقوة ومفاجئه وجها لوجه
مستغلا المفاجئه
صفوان (( جاجوار ليدر حدد مكانك ))
لا رد من المنصوري والموجه يكرر النداء وبعد فترة صمت
المنصوري منفعلا (( رصدت طائرتين علي وش الميه )) واشرت الي حسن لطفي بمكان الطائرات ورد علي بالاشارة بانه رأها .
كانت حاله التخبط تشمل تشكيل صفاء و الرافعي وتشكيل مطار بير عريضه فهم
يحاولون الانضمام لي وهم لا يعرفون مكاني والموجه يقوم بتوجيه طائرات صفاء
الذين يستخدمون اسمي الكودي ظنا انه يوجهني
فالمسافه بيني وبينهم اكبر من 150 كيلو والموجه يعتقد انني وسطهم .
Turn To The Left صفوان (( جاجوار ليدر ابتعد تجاه اليمين ))
المنصوري (( انا شايف فينجر فور امامي وسيكشن داخل علي ))
يبدو ان حاله التخبط التي حدثت للموجه الارضي نتيجه عدم تحكمه في التشكيل
قد ادت الي دخول موجه اخر وهو طيار قديم اسمه عثمان ذهني وهو طيار قدير جدا
وحالت حالته الصحيه دون استمراره في الطيران ، فتم اسناد مهام التوجيه
الارضي له لاستغلال خبرته الجويه الواسعه ، وتدخل عثمان ذهني في الحوار
باسم صفوان 2 وكان صوته هادئا جدا وواثقا بدرجه كبيرة اراحتني كثيرا في
الاشتباك
صفوان 2 (( احنا شايفين فينجر فور امامك علي ارتفاع 5 كيلو بس مش شايفين
السيكشن ده ، تأكد من مسارك واتجه تجاه الساحل ومتعديش الخليج))
ويظهر صوت الموجه الاول مستخدما ميكرفون اخر صائحا في ذعر
(( متعديش الخليج – متعديش الخليج ))
وبدأت الاشتباك مع الطائرتين اللتين كانا ينصبان كمينا لي و في اقل من
ثلاثين ثانيه أستطعت بتوفيق الله ان اسقط طائرة فانتوم بصاروخين متتاليين
عندما فوجئت بمناورتي انا وحسن تجاهها واعطتني تلك المناورة الافضليه في
هذا الاشتباك ، فأطلقت صاروخين متتالين هما كل ما املك من صواريخ ، اول
صاروخ اطلقته من مسافه كيلو ومائتي متر اصاب جناح الطائرة والصاروخ الاخر
انفجر بها ، لتنفجر الطائرة ويتناثر حطامها علي مياه الخليج ، بدون ان ينجو
اي من الطيار او الملاح.
صفوان 2 (( جاجوار ليدر كومبانت تيرن واطلع الي 4 كيلو )) اي ناور وارتفع
جاجوار ليدر منفعلا (( كومبانت ايه ، انا مشتبك دلوقت مع طيارة معاديه ))
صفوان 2 (( متخشش وراهم ارضهم خليك فوق الخليج ))
كانت المعركه تجور رحاها بيني انا وحسن وبين طائرة فانتوم اخري بينما بقيه الفانتوم التي كانت طعم لنا تعود لنجده الطائرة المنفرده
صفوان 2 بصوت هادئ (( جاجوار ليدر–فيه فينجر فور معادي ارتفاع 4 كيلو مسافه 20 كيلو جاي وراك))
و هنا بدأت خطورة الموقف ، فطائرات العدو أستيقظت من الهجوم المفاجئ لي و
بدأت تتعامل معي بينما الموجه الاول يحاول حشد الطائرات تجاهي لدعمي سريعا
لنجده الموقف و لم يكن هناك شيئا ممكن ان اقوم به سوي استمرار المناوره مع
الطائرات المعاديه وكنت اعتمد علي صوت عثمان ذهني في النفاذ من طائرات
العدو الاربع المقبله علي باقصي سرعه فصوته ياتي الي وكانه داخلالكابينه
معي وليس علي مسافه 150 كيلو مني ،وكانت توجيهاته المستمرة لي باقتراب
التشكيل المعادي تدريجيا وبسبب خبرته العاليه ومعرفته بي وباسلوب طيراني
سببا في افلاتي من الطائرات الاربع.
فمع اقتراب الطائرات الاربع الاسرائيلي الاضافيه كنت قد استخدمت انا وحسن
صواريخنا وطلاقات مدافعنا كلها في اسقاط الطائرة الاولي ومحاوله اسقاط
الاخري .
صفوان 2 (( ليدر 1 اتجه الي منطقه 65- عشان تغطي جاجوار ليدر وهو راجع ))
محاولا تصحيح مسار طائرات بير عريضه تجاه مكان المعركه لنجدتنا
صفوان 2 (( جاجوار ليدر – خلي بالك من المعادي وراك خليك جواه علي طول لو بتلف وراك اقطع عليه ))
الموجه يستمر في توجيهي خلال المعركه ناصحا بان اكون في موقف احسن من طائرات العدو
صفوان 2 (( ليدر 1 خش علي الخليج باتجاه 030 افتر برنر اون ))
و بدأت حفله من الطائرات الخمس الاسرائيلي علي طائرتينا ، فصواريخ الفانتوم
و طلقاتها انطلقت علينا بغزارة لا حصر لها ، و لولا توفيق الله و التدريب
العالي و الثقة المتبادلة بيني و بين حسن ما كنا نجونا من تلك الحفله ،
فبدات انا و حسن نناور لتخليص كل مننا الاخر من طائرات العدو المتفوقه
علينا عددا و تسليحا و كيفا و وقودا.
وينفذ حسن مناورة رائعه ليفلت من فانتوم في ذيله
جاجوار ليدر (( فري نايس يا حسن))
صفوان 2 (( المعادي بالنسبه لك الساعه 8 مسافه 6 كيلو خش عليه – خش عليه ))
جاجوار ليدر ((كومبانت يسار ))
صفوان 2 (( ليدر 1 خش عليه برنر اون ))
ليدر 1 (( اوكي – ارتفاعنا 7 كيلو اتجاه 060 افتر برنر اون ))
صفوان 2 (( جاجوار ليدر – الموقف عندك عامل ايه ))
جاجوار ليدر منفعلا (( مستمر في الاشتباك – شد يا حسن – شد يا حسن فوق ))
صفوان 2 (( جاجوار ليدر خلي بالك من الطائرات المعاديه ))
صفوان 2 ((ليدر 1 الموقف دلوقت طياراتنا مشتبكه مسافه 30 كيلو اتجاه 090 وراها طيارات معاديه مسافه 10 كيلو منها ))
صفوان 2 (( كمل علي اتجاه 270 يا جاجوار ليدر ))
فكلما بدأ صاروخ في الانطلاق من طائرة فانتوم كنا نطير تجاه الصاروخ لكي
نسبقه قبل ان يبدأ جهاز توجيه الصاروخ في العمل ، و لا اعتقد أن هناك ثقة
فيمن معك اكبر من انك تطلب منه ان يطير تجاه الصاروخ المعادي المنطلق نحوة
لكي ينتحر الصاروخ ولا يتم توجيهه نحونا ويقوم زميلك بتنفيذ المناورة وينجو
منها و يقوم هو بنفس الشئ معي ، فكأنما تراقص الاسرائيليين علي انغام
مناوراتنا طوال ثلاث عشر دقيقه
كامله لم تستطع اي طائرة اسرائيلي ان تصيب اي منا ، لدرجه انهم احسوا
باليأس منا ، فما لدينا من وقود معروف لهم تقديرا و عودتنا إلي أي مطار
أصبحت مستحيلة ، فمصيرنا الموت او علي الاقل سنخسر طائرتين مصر في امس
الحاجه لهم في هذا الوقت.
ليدر1 (( جاجوار ليدر انت لسه مشتبك لسه ؟؟))
صفوان 2 (( ليدر 1 الاشتباك قدامك جري لك ايه ؟))
ليدر 1 (( انا مش شايف الاشتباك ))
صفوان 2 (( جاجوار ليدر الطائرات بتاعتنا داخله عليك كومبانت تيرن ))
صفوان 2 (( ليدر 1 الاشتباك بالنسبه لك الساعه 12 المسافه 25 كيلو اطلع لارتفاع 6 كيلو ))
ليدر 1 (( مش شايف حاجه ابدا !!!!!)
صفوان 2 (( ليدر 1 الاشتباك قدامك ارتفاع 4 كيلو ))
جاجوار ليدر (( الاشتباك مستمر – فين طياراتنا ))
صفوان 2 (( جاجوار 2 طياراتنا الساعه 9 عندك خذ بالك ))
صفوان 2 (( ليدر 1 شفت الاشتباك ؟؟!!))
صفوان 2 صائحا بعنف (( ليدر 1 اعمل كومبانت تيرن وارجع الاشتباك وراك مسافه 5 كيلو، اشتغل بقه ))
جاجوار 1 (( الفورميتر معايا ومعناش الا 200 لتر بس)) وكلمه فورميتر تعني الطائرة رقم2اي حسن لطفي
صفوان 2 (( محدش يعدي الخليج ))
كان تشكيل الدعم القادم من مطار بير عريضه غير متمكن ان يدخل الي المعركه
بسبب السحاب الكثيف فلم يتمكن من رؤيه المعركه للدخول في الاشتباك رغم
توجيهات الموجه الارضي ، لكن الطائرات الاسرائيليه المزوده برادارات مستقله
رصدت هذا التشكيل و توقعت اشتراكه في المعركه في اي لحظه.
كنت أدعو الله أن ينجينا مما نحن فيه ، فمنذ اقلعت انا و زميلي كنا في يدي
الله تصويبنا بقدرته ، و حياتنا بمشيئته ، و نجاتنا بقدرته.
و فجأة تتخلص الطائرات الاسرائيليه من الاشتباك ، و تخلصنا نحن من الاشتباك
ايضا ، و بدأنا نتجه غربا للعوده الي فوق الاراضي المصريه ، فالاشتباك كله
دار فوق مياه خليج السويس. و يظهر صوت قائد السرب 49 قتال المقدم تميم
مخبرنا في اللاسلكي بتعليمات صارمه:
تميم (( كل التشكيلات ترجع للقاعده)) و يكرر الأمر
و يرد كل قاده التشكيلات الطائرة بالعلم فيستطرد المقدم تميم
تميم (( جاجوار ليدر ارجع للقاعده ))
جاجوار ليدر (( وجهني علي بير عريضه انا علي حافه الخليج )) رغم ان وقودي لا يكفي الا لاقل من دقيقه لكني رغبت ان اقترب من اتجاه اي مطار مصري بقدر الامكان
ويخبرني حسن بعوده الطائرات الاسرائيلي خلفنا مره اخري ، ويقول لي ان ما لديه من وقود هو 200 لتر فقط اي ما يسمح بالطيران لمده دقيقه
واحده فقط ، فأشير اليه بالاشتباك مع طائرات العدو التي تفاجئ بنا نعود
للاشتباك مرة اخري رغم وضعنا ، فلا وقود لدينا ولا سلاح ، فماذا نكون سوي
مجانين تسعي الي الموت سعيا ،
جاجوار ليدر (( ورايا طائرات معاديه ))
صفوان 2 (( دي طياراتنا احنا ))
جاجوار ليدر (( بقولك ورايا طائرات معاديه ))
صفوان 2 (( كل الطيارات ترجع بير عريضه ))
صفوان 2 بصوت حاسم (( اللي معاه طيارات معاديه يشتبك علي طول ))
كنا نحاول ان نصطدم بطائرات العدو لتدميرها ، وعندما أيقن اليهود انهم امام
طيارين من نوع اخر غير معهود لديهم ، تخصلوا من الاشتباك مرة اخري وهو ما
يعتبر في عرف الطيران هزيمه لهم
وانسحبوا.
و بدأنا نتجه تجاه الساحل وانا معي 100 لتر فقط من الوقود باحثا عن مكان
يصلح للهبوط السريع ، واذا بي افاجأ بمدفعيات مضاده للطائرات تنطلق نحونا
من احد الوحدات الارضيه (اللواء الاول ميكانيكي )
صفوان 2 (( كل الطيارات تنزل بير عريضه ))
جاجوار ليدر (( معايا 100 لتر يا جدعان ))
تميم صائحا في صفوان (( بيقولك وجهني علي بير عريضه ))
ليدر 1 (( في طيارةهيلكوبتر بتلمع علي ارتفاع منخفض جدا الساعه 1 عندي ))
و كانت تلك طائرة هيلكوبتر اسرائيلي تطوف الخليج بحثا عن ناجيين من الفانتوم المحطمه
و يتدخل صفاء الدين في الحوار معلنا بهدوء وضعه من الوقود ومكانه
جاجوار 3 (( معايا 1600 لتر وانا فوق مطار بني سويف ))
تميم (( فيه 12 طيارة في الجو دلوقت ))
و نظرا لسوء موقفنا فلم يكن لتلك المضادات الارضيه اي فارق علي حالنا ،
مجرد انهم صعبوا علينا الامر اكثر ، فقمت بالاتصال بقاعدتي وابلغتهم بانني
ساهبط علي الطريق واخبرتهم بمكاننا لارسال طائرة هيلكوبتر لالتقاطنا.
و بعد أن قمت بالدوران للهبوط وجدت تشكيل يقوده زميلي سيد رزق أسمه بلاك
ليدر يقترب مني و يخبرني انه سيقوم بحمايتي حتي اهبط ليحدد مكاننا بدقه
للانقاذ القادم لنا.
تميم (( اللي عايز ينزل علي الطريق ينزل ))
و أخبرت حسن أن يكون اعلي مني لكي اختار مكانا اهبط عليه اولا لكي اختبرة
فإن مت يختار هو مكانا اخرا يهبط فيه ، و بدأت الهبوط علي الطريق الذي
يحدوه الجبال من الطرفين بينما ساحل البحر خلفه كأصعب ما يكون الهبوط ، و
فجأة يتوقف محرك الطائرة ، و كانت تعليمات الخبراء في كتيب الصيانه ان
الطيار يقفز فور توقف المحرك لان جميع اجزاء الطائرة تعمل بالهيدروليك و
تتوقف تماما عن العمل فور توقف المحرك، مما يعني انعدام التحكم بالطائرة و
تم الاستعانة الكاملة بالله و اخذ القرار بالهبوط لانني كنت اريد ان يكون
انتصارا كاملا حتى النهاية ، فلا يجب ان يفوز الاسرائيليين بأي شئ في هذا
الاشتباك و لو حتى تدمير طائرة لنا لان وقودها قد انتهي.
و لمست عجلات الطائرة ارض الطريق بعد متر او اثنين متر من حافه الطريق
لتندفع الطائرة علي سرعتها لافاجئ بعربه نقل كبيرة بمقطورة أمامي يقفز
ركابها منها فزعا ويتركونها امامي علي الطريق فرفعت مجموعه العجلات الخلفيه
فورا ليبدأ باطن الطائرة في الاحتكاك بالارض و تتوقف الطائرة فورا وسط
الرمال علي جانب الطريق.
أما حسن لطفي فقد خانه تقدير بدايه الطريق ، و عندما بدأ الاقتراب النهائي للهبوط ، لمست عجلاته الخلفيه
حافه الطريق البارزة ما بين الاسفلت و بين شاطئ الخليج ، لتنقلب طائرته و
تنفجر و يستشهد الطيار حسن لطفي بعد ان أدى واجبه كاملا ، و يزف إلي الجنة
في أجمل و اطهر ما يكون اللقاء.
هبطت من الطائرة ساجدا لله لتنهار قواي و أنا ساجد و يغمي علي ، لتبدأ
الاصوات تعود الي ببطء علي صوت طائرة هيلكوبتر اسرائيلي تقترب مني محاوله
ان تأسرني ، نفس الطائرة التي ابلغ عنها ليدر 1 ، لكن المضادات المصريه
طردتها بسرعه ، و أيقن رجال اللواء المصري ان الطائرة الاسرائيليه تبحث عن
طيار اسرائيلي كعادتهم دوما، فتوجهوا نحوي و أسروني و أوسعوني ضربا و أنا
مغمي علي و لا اقوي علي الكلام و سببوا لي كدمات في العمود الفقري.
فقد كان رجال هذا اللواء المعزول علي ساحل الخليج عرضه لالاعيب العدو
الشيطانيه ، فكانت طائرات الهليكوبتر المعاديه تطير فوقهم ليلا و تلقي
معلبات الأكل و العصائر ، فيظن الجنود انها هليكوبتر مصري خاصه و أن الجو
ليلا و الرؤية صعبه و من في الطائرة يتحدث العربية.
و فور تجمع الجنود حول امدادات الغذاء يتم القاء براميل نابالم عليهم و حصد
أرواحهم حرقا، فكان حقد جنود هذه الوحده المعزوله علي الاسرائيليين و خاصة
الطيران الإسرائيلي عظيما ، و عندما وجدوني لم ينتظروا اي يتعرفوا علي.
و صلت طائرة هيلكوبتر مصري لالتقاطي و بها عدد من الفنيين للاطمئنان علي
طائرتي يقودها الطيار عمر لطفي و الذي كان في دهشه مما يراه ، فلاول مرة
يشاهد طيار مصري طائرة مقاتله تهبط علي طريق و تظل سليمة خاصة طريق بهذا
السوء ملئ بالحفر ، فما كان منه الا انه اكتفي بترديد سبحان الله و هو
مندهش.
و عدت إلي مطار بني سويف ، و تم وضع شباك تمويه علي الطائرة لحمايتها و
إخفاءها في ذلك الوقت كان اللواء طيار حسني مبارك في زيارة الي ليبيا فأعطى
تعليمات بان تظل تلك الطائرة علي الطريق حتي الصباح التالي حيث ان الطريق
يؤدي الي الكريمات ثم حلوان حيث ورشه اصلاح الطائرات و التي بدورها أرسلت
سيارة نقل و جرار قطر طائرات لشحن الطائرة.
المفاجأة أن طائرة هيلكوبتر اسرائيلي هبطت ليلا لقطع الطريق علي سياره
النقل التي من المفترض انها تجر الطائرة لكن قرار اللواء مبارك بتاجيل نقل
الطائرة ادي الي تفادي الوقوع في هذا الكمين بعنايه الله ، و في الصباح
التالي عثرت دوريه من حرس الحدود علي اثار تلك الطائره و بقايا معلبات
إسرائيلي بجوارها.
عدت إلي قاعدتي لأجد اللواء محمد نبيه المسيري أركان حرب القوات الجويه
منتظرني في المطار لكن الفنيين و الجنود و الطيارين زملائي الذين علموا
بتلك المعركه حملوني علي الاعناق و الهتاف بحياة مصر لأنال اعلي تقدير
معنوي اناله في حياتي من احد.
و تمت مناقشه نتائج المعركه مع اللواء محمد نبيه المسيري فورا بعد ان تلقيت
منه التهانئ ، و تلي ذلك تكريم من اللواء محمد حسني مبارك قائد القوات
الجوية المصرية ثم من المشير احمد اسماعيل وزير الحربية ثم من الرئيس محمد
أنور السادات نفسه حيث اخبرته انه لو عاد بي الزمن لقمت بنفس العمل لان كل
شئ يهون في سبيل مصر و كرامه مصر و بسبب هذا الاشتباك نلت وسام الشجاعه و
وسام النجمة العسكرية ، و حاليا ترقد طائرتي التي شاركت في هذه المعركه في
بانوراما حرب أكتوبر و أرقامها 8040
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
معاينة صفحة البيانات الشخصي للعضو ارسل رسالة ارسل البريد الإلكتروني
احمد كمال منصوري , حسن لطفي
معركه لم اكن اعلم عنها شيئا حتي يوم الجمعه 19 ديسمبر 2008 ، معركه طويت
احداثها سريعا بسبب توقيتها ، فهي قبل حرب اكتوبر بعشرة اشهر تقريبا ، وغطت
احداث الحرب عليها سريعا.
أقسم بالله لمن يقرأ تلك السطور انني لم اكن لاصدق سرد تلك المعركه لولا
انني سمعتها من فم اللواء طيار احمد كمال المنصوري وهو بطلها ، ربما يظن
البعض سريعا ان الرجل يحاول تمجيد نفسه ، لكن الرجل ظل صامتا خمس وثلاثون
عاما و عشر أشهر كاملين لا يتحدث و لا يمجد نفسه حتي وصلنا اليه لنحاول ان
نبعث تلك المعركه مرة اخري من ظلمات التاريخ المصري الناصع و الذي حكم عليه
بالقتل عمدا.
الجميل أن من دلنا علي هذا البطل الصامت هو قائده اللواء تميم فهمي قائد
السرب 49 مقاتلات في حرب اكتوبر ، و عندما تحدثت مع اللواء تميم عن رغبتنا
في نقل بطولته الي الورق لتعرفها الأجيال الحالية و القادمة رد علينا
متهكما ((عايزين قصه بطل ؟ اسألوا عن الطيارين المصريين كلهم ، كلهم ابطال
لكن ابدأوا مع المنصوري فقد قام باعمال يشيب لها شعر الطفل الرضيع )) لاحظ
كلمه ابدؤوا.
أيعقل هذا في هذا الزمن ؟ هل مازال هناك انكار للذات و تقدير للبطولة من رجل لاخر تحت قيادته !؟
كان من الممكن ان ينسب اللواء تميم فهمي تلك البطولات لنفسه و ننشرها نحن ،
و نحن لا نعلم الحقيقيه مثل ملايين اخرين ينسبون لانفسهم فضل و مكانه لا
يستحقونها ، لكن الرد الصادق ارسلنا الي البطل الحقيقي في نظره , أرسلنا
إلي اللواء احمد كمال المنصوري الذي قال عن قائده اللواء تميم فهمي أبيات
من الشعر تقال الان لمن هم في اعلي المراكز فقط رغبه في كسب الود و انتهاز
الفرص ، لكن الاثنين علي المعاش الان و ليس بينهم غير كل صداقه و ود و
احترام و الأهم من ذلك زماله الحرب التي نحتاج مثلها أمصال و أمصال لكي
يلقح بها الجيل الحالي ، قال في حقه انه كقائد سرب كان يطير مثلهم و يربط
في الطائرة لساعات مثله مثل اصغر طيار عنده في السرب و يعلمهم كل ما يعرفه و
ينقل إليهم خبراته ، مشاعر طيبه تكاد تندثر الان في مجتمعنا.
أما المقاتل الشرس احمد كمال المنصوري فحكاية من حكاوي الاساطير التي لو لم
تكتب و تمجد الآن ربما تضيع في ادراج التاريخ المتخمه بأوراق و بطولات
أخري مماثله, هذا الرجل أوصى بدفن وثائقه معه عندما يموت لانه لم يكن يعلم
ان بمصر رجال و نساء شباب و أطفال يتعطشون لتلك البطولات كتعطش التائه في
الصحراء لجرعه ماء.
فما هي وثائقه التي اكدت قصته و جعلته يلاحظ أن شعر رأسي وقف عندما اطلعت
عليها، نعم شعر رأسي وقف بالفعل من الدهشه من الكنز الرابض امامي و أيضا
احتراما و إجلالا و تقديرا و خشوعا لتسجيلات صوتيه من كابينه طائرته و بين
برج المراقبة فيها سرد موثق و واضح لسير المعركة التي دامت ثلاث عشر دقيقه
، خشوع و تقدير للحظات يقاتل فيها اثنان من الطيارين المصريين اثني عشر
طيارا اسرائيليا بمفردهم، لحظات فيها ثماني واربعون صاروخ اسرائيلي جو جو و
أكثر من ثلاثون الف طلقه تواجه اربعه صواريخ مصريه و ربعمائه طلقه فقط و
الأهم من ذلك لحظات ذٌلت فيها الفانتوم الاسرائيليه بطياريها الاعلي في
العالم امام الميج المصري بطياريها الابطال .
إن هذه المعركة تجعل الفرد منا يحس بضاّله حجمه مقارنه بهؤلاء الابطال
العظام و يجعلنا نتسأل ما الذي نستطيع ان نقدمه لديننا و لبلدنا لكي يعودوا
كما كانوا، ففي البداية أو النهاية الطيار المنصوري رجل عادي مثلك انت ، و
مثلي أنا لا يزيد عنا بشئ غير الايمان المطلق بالله و بمشيئته ، فعندما
قابل طائرات العدو المتفوقه كما و كيفا و في كل شيء ممكن في ذلك ، الوقت لم
يفكر الا في شئ واحد ونقلا عن لسانه اقوله مرة اخري
(( كنت أحافظ علي عذريه مصر من الاسرائيليين ، مش معقول يهود يخشوا يغتصبوا
امي امامي و اقعد ساكت )) ساترك للقارئ تقدير تلك المقوله ومقارنتها بما
يحدث الآن.
كان الحديث ملتهبا بحماس هذا الرجل و الذي يفوق حماسا و حبا للوطن عن حب
الابن لامه ، و بعد دقائق من الحوار فتحت موضوع كثيرون يعرفونه و غاضبين
منه ألا و هو الفيلم الذي انتجته قناه متخصصه في القتال الجوي تحت اسم
Crazy Egyptian Pilot و تم وضعه على موقع الانترنت Youtube
و الذي يصور معركة
جوية حدثت في شهر أكتوبر عام 73 بين طيار مصري و آخر إسرائيلي و قام الطيار
المصري بمناورة جريئه جدا طبقا للوصف الاسرائيلي لكنها فشلت و مات الطيار
في النهايه لتحسب انتصارا للطيار الاسرائيلي ، و إذ باللواء احمد كمال
المنصوري يضحك بسخرية و يسألنا هل تودون مقابله الطيار المصري الذي شارك في
تلك المعركه ؟؟؟ سؤال صدمه ما بعدها صدمه لنا.
فانا واحد من الذين انبهروا بدقه اخراج هذا الفيلم و عرضه علي موقع عالمي
واسع الانتشار بالاضافه الي ان شهاده الطيار الاسرائيلي بجرأه الطيار
المصري و كفاءته كانت عاليه لكن الطيار الاسرائيلي كان الافضل ولدت لدينا
احساس بان القصه حقيقيه حتي النخاع, لكني وقعت فريسة لإعلام الصهيونية مرة
أخري و تناولت السم في طبق الحلوي كعادة و العرب.
ضحك الرجل من انبهارنا بسؤاله و انطلقت أسئلتنا سريعا لكن خفف من سرعتنا بضحكه متواضعه قائلا
(( الطيار المجنون ده اللي في الفيلم اسمه حسن سالم الرافعي و هسمعك صوته
بعد قليل ، و أنا كنت قائده في الاشتباك ده ، حسن طار معايا 52 طلعه عمليات
في حرب اكتوبر 73 و مازال حي يرزق حتي الان ))
ثم استطرد غير مبالي بدهشتنا البالغه مما نسمعه (( المناورة دي احنا
اخترعناها و تدربنا عليها كتير جدا جدا ، و نستخدمها لما يكون الموقف صعب
ومش قادر تفلت من الطيار الاسرائيلي ، في الاشتباك ده يوم 24 اكتوبر 73 كنا
فوق الثغرة و الطيارة اللي في الفيلم خذ بالك من المثلثات البرتقاليه اللي
علي الجناح ، دي علامات جنوب افريقيا – المهم ان المناورة دي لها ثلاث
نتائج محققه اولها ان الطيار الاسرائيلي يرشق في الارض او ان الطيار المصري
يفلت من الطيار الاسرائيلي و يركب ذيله أو أن الطيار المصري يرشق في الارض
، لكن اللي الاسرائيليين لم يعرفوه اننا تعلمنا من الطيارين الباكستانيين
في سوريا تكتيك الطيران بسرعه صفر وده هما فوجئوا بيه في حرب اكتوبر و
عملنا بيه نتائج كويسه جدا جدا ، المناورة دي كنا مسمينها في السرب مناورة
الموت و كنا متدربين عليها كويس جدا جدا لدرجه اننا كنا بنفذها ليلا يعني و
الدنيا كحل و محدش شايف حاجه ، وحسن الرافعي عايش ويقدر يحكي لكم عليها
بالتفصيل )) الرسالة واضحة وضوح الشمس فالمناورة مصريه و ليست مناورة يأس
كما صورها لنا الفيلم و الطيار المصري حي يرزق و قد استمعت إلي صوته يصف
تلك المعركه في تسجيل صوتي من عام 1973 و لم يمت كما صور الفيلم
لقد استمعنا الي تسجيلات معركه 15 فبراير 1973
بكل دقه ومعها ترجمه لما يتعذر علينا فهمه من اللواء المنصوري ، و اعتقد
انه من الواجب بل من الحتمي علينا ان ننقل تفاصيل ما سمعناه لك حتي لا تضيع
تلك المعركه و سجلها و أسماء أبطالها في أدراج النسيان.
أتمني أن استطيع أن أقدم للإسلام و لمصر و لو مثقال ذرة من الانتماء الذي
يملئ اللواء طيار احمد كمال المنصوري و هي قصه حقيقية 100% و صورها أيضا
تخص اللواء المنصوري شخصيا.
معركة الدقائق الثلاث عشر
كنت اجلس مربوطا الي كرسي طائرتي ضمن اربع من طياري الحاله الاولي في قاعده
بني سويف الجويه ، كان الجو صحوا و شمس الشتاء تشع نورها علي فترات ، كنا
علي اعتاب فصل ربيع عام 1973 فشهر فبراير مازال في منتصفه ، و بروده الجو تظهر علي فترات لتذكرنا بفصل شتاء قاس مر بنا.
بينما اجلس داخل طائرتي و احزمه الكرسي تشدني بقوة الي الطائرة وكأنني جزء
لا ينفصل من اجزاءها، تطلعت ببصري لاطمئن علي رفاقي ، ثلاث من طياري
المقاتلات يقبعون داخل طائراتهم المسلحه انتظارا لاي طارئ لينطلقوا خلفي
الي السماء مدافعين عن قاعدتهم ووطنهم وبلدهم ـ كلما انطلقوا انطلق معهم
ملك الموت ، فهذا الملك مصاحب لنا في كل طلعه نكاد نحس به ونراه اثناء
القتال الجوي المتلاحم مع العدو وحتي اثناء التدريبات ، فقد مات من
الطيارين الشباب اثناء التدريبات اكثر ممن ماتوا خلال النكسه وحرب
الاستنزاف وهو دليل علي وحشيه التدريب وقوته.
أحسست بالملل يتسرب الي بدون ان أشعر ، فدوري في الحاله الاولي يستمر لمده
ثلاث ساعات طويله ومؤلمه ، هربت من الملل بتذكر ابني عمرو فأحسست بالالم
فجأه ففي اخر مرة كان معي بالمطار ، كنت مربوطا الي مقعدي في الحاله الاولي
كما انا الان ، وانطلقت الخرطوشه الخضراء في سماء المطار ، معلنه حاله
طوارئ واقلاع طائرات الحاله الاولي فورا ، كان عمرو علي رجلي داخل كابينه
الطائرة يتعلم مني الطيران نظريا ونلهو قليلا ، لكن الخرطوشه الخضراء تعني
لي ان مصر في خطر ، مصر تنادي علي ان احميها ، فما كان مني الا انني القيت
بابني من الكابينه في رد فعل تلقائي وغريزي لكي اقلع في اسرع وقت ، واقلعت
سريعا لدرء الخطر عن مطاري وعندما عدت الي المطار ، وجدت ان رجل ابني قد
ُكسرت ، فأحسست بالالم رهيب ومازلت احس به كلما تذكرت تلك الذكري ، لكني
اعود واوقول لنفسي ان الموقف لو تكرر لاتخذت نفس الموقف ، فما وزن ابني
فلذه كبدي مقارنه بمصر ؟ لا وزن له نهائيا فكل شئ فعليا يهون في سبيل مصر ،
وما حدث لي كرد فعل تلقائي أكد ذلك وادركت بعده أن مصر قد استولت علي
تماما ، ولم يعد هناك حتي لابني مجال للمنافسه امام حبي لمصر.
لقد أثرت فينا نكسه يونيو 67 تأثيرا عميقا وادت الي وجود عقده نفسه لدينا ،
عقده جعلتنا نهرع الي الصعود للجو كلما لاح في الافق شبه خطر ، فلم نعد
نطيق ان نظل علي الارض وطائرات العدو تعربد في السماء منتهكه سمائنا وارضنا
فأصبح الإقلاع الفوري جزء من تدريبنا وتطورنا في ذلك التدريب لنصل لمستوي
راق جدا أثار دهشه الخبراء السوفيت أنفسهم ، فالثانيه تصنع فارق رهيب بين
طائرة تصوب نيرانها علي ، او ان اصوب عليها أسرع منها ، فالثانيه دهر في
عالم الطيران ، ثانيه واحده تضعني في موقف المطارد بدلا من الطريد ، ثانيه
تعيدني حيا لمطاري او تعيدني الي خالقي.
أحسست بغصة في حلقي عندما تذكرت نظرات لوم ابني لي وهو يتألم من رجله
المكسورة عندما عدت من الاشتباك ، وظلت نظرات الالم تطاردني في كل مكان
وانا اتذكرها لكنني طردت تلك المشاهد من عقلي عندما تناهي الي اذني صوت
تلبيغات من قواعد جويه ومحطات رادار مختلفه برصد تشكيل معادي يقترب من قطاع
الجيش الثاني ، يا له من شعور قاس مرير ، قطاع الجيش الثاني علي مسافه
مائتي كيلو من مكاني وهناك بدل المطار ، اثنين وثلاث واربع ، بل اكثر من
خمسه مطارات أقرب مني الي هذا التشكيل وتمنيت لو كان هذا التشكيل المعادي
قرب مطاري ، لو كان قريبا لكنت ...... و ...... و....
نظرت الي رفاقي فوجدتهم متابعي التبليغات علي اللاسلكي بأهتمام بالغ ، لا
استطيع ان اصف ما يحس به هؤلاء الرجال الذين لم يبلغوا منتصف عقدهم الثاني
بعد ، شعور مرير استمر لسنوات ثلاث بعد وقف اطلاق النار عام 70 واصبحنا
نمضي في التدريب وقتا ومجهودا اكثر مما نمضيه في اي شئ اخر في الحياه ،
تدريب فقط منذ ثلاث سنوات حتي الان ، واصبح الشوق لقتال العدو يمثل شوق
الجائع لوجبه دسمه ، لكن التعليمات الصادره هي تجنب الاشتباك مع العدو قد
الامكان ، وهي تعليمات زادت من القيد المفروض علي اعناقنا بجانب قيد
اللاسلم و اللا حرب.
كان من الصعب علي كقائد تشكيل ان اكبح جماح رجالي معظم الوقت ، فهم شباب
وملئ بالحماس والعزة والكرامه وحب الوطن ، وكان وجودهم علي الارض خطرا
كبيرا مع مرور الوقت ، فانا اعيش معهم تماما كل يوم وكل ساعه وكل دقيقه
واعرف ماذا يفكر فيه هذا او ماذا يريد ذاك ، لقد انصهرنا منذ مده في بوتقه
واحده تسمي السرب 49 قتال واصبحنا عائله واحده ومنزلنا المطار ، فكان
طبيعي ان اتعرف علي ما يفكر فيه اي من الطيارين الثلاث وهو يستمع الي
تبليغات غرف العلميات بمسار التشكيل المعادي ، والذي اتضح لي من مسارة انه
تشكيل استطلاع اسرائيلي ، فهم يتجولون في سمائنا بكل حريه كأنها بيتهم ولا
حق لنا في طردهم بناء علي اوامر القيادة.
تابعت التبليغات بكل انتباه ، فطائرات العدو اخترقت خطوط قواتنا شمال فايد
واتجهت جنوبا لاستطلاع الجيش الثالث بكامله وكانت بذلك تقترب من السويس
والمسافه تقل بينها وبيننا ، وبنظرة سريعه مع الطيارين اعطيتهم أمرا
بالاستعداد ، كان الدم يغلي في عروقي بشكل رهيب ، فقد خيل لي ان تلك
الطائرات تدخل محاوله اغتصاب امي مصر ، ولابد لي ان احافظ علي شرف أمي ولا
يجب ان اسمح لتلك الطائرات بان تستمر في تلك المهمه بدون ان نعترضها.
كانت الأوامر المعروفة هي ترك طائرات الاستطلاع المعاديه تقوم بمهامها في
الاستطلاع بدون التعرض لها حتي عمق ثلاثين كيلو متر من خط القناه و في عمق
دفاعاتنا ، و كان تكتيك القيادة العامة غير مقبول بالنسبة لنا كطيارين شباب
متحمس او كما كان يقول عنا الرئيس عبد الناصر شباب متهور ، فقبلنا الامر
الواقع و نفذنا التعليمات علي مضض و كلنا نكتم غيظنا و نتمنى أن يصدر لنا
الامر بالاشتباك.
استمرت الطائرات المعادية في تحركها تجاه الجنوب ومرت فوق السويس وكان
اتجاهها مستمر في الجنوب وكانت مستمرة في الاقتراب من انتهاء مهمتها.
نظرت إلي الطيارين الثلاث ووجدت الغضب يجتاح الملامح والاعين تطلب الاشتباك
، وفي لحظه ما لم اتمالك نفسي وانا استمع الي بلاغات غرف العلميات وقدرت
الموقف سريعا ووجدت انني ارفض ان تنتهك بلدي بالقوة واظل علي الارض، واتصلت
بضابط العمليات الطيار كسيبه في برج المراقبه وطلبت منه ان يضرب خرطوشه
اقلاع لاربع طائرات من المطار (فنجر فور- اربع طائرات ) فأطلق الرجل خرطوشه
اطلاق طائرتين بالخطأ ، وعلي الفور انطلقت بطائرتي ومعي الطيار حسن لطفي ،
بينما انتظر الطيار صفاء الدين مصطفي كامل ومعه الطيار حسن الرافعي الامر
بالإقلاع.
و فور الإقلاع و فتح اللاسلكي للاتصال بغرفه علميات المطار لاخذ التوجيهات
بالاتجاه والارتفاع من الموجه الارضي رفعت الجمل ،و فور بدء عمل اللاسلكي
بدأت اسمع صوت الموسيقي الجنائزيه علي موجه الاتصال الخاصه بنا والتي تعود
الاسرائيليين ان يبثوها علي تردداتنا اللاسلكيه للشوشرة والتشويش علي
اتصالاتنا والتي يقوم رجال من الخبراء السوفيت لدينا بتبليغها للاسرائيليين
اول بأول وكنا نعلم ذلك ونتفاداه ، وكان الهدف من هذه الموسيقي هي بث موجه
من الاحباط في نفوسنا ، لكننا تعودنا علي نقل موجه الاتصال الي موجه اخري
تبادليه يعرفها المصريين فقط ونحتفظ بها سرا لانفسنا ونغيرها بأستمرار
أقلعت ومعي حسن لطفي واشرت له باشارة فور بدء اقلاعنا بأننا داخلين علي
اشتباك مع العدو ولن يكون الامر كما تعودنا من قبل مجرد تحرش وتهويش ، وكنت
اعرف ان حسن مثلي تماما يسعي للشهاده بكل قوة
وبدأت اطلب التعليمات بالاتجاه والسرعه من الموجه الارضي ، وبدأ الموجه
الارضي اعطائي شرح كامل لموقف العدو – وكان اسم مطار بني سويف الكودي هو
صفوان واسمي الكودي جاجوار ليدر
(قائد الفهود السوداء)
من صفوان الي جاجوار ليدر (( تشكيل العدو عبارة عن فينجر فور ماشي وسط خليج
السويس و سيكش غرب الزعفرانه بـ اربعين كيلو )) اي ان عدد مقاتلات العدو
سته طائرات
جاجوار ليدر (( اوكي دخلني عليه علي طول ))
صفوان (( اتجه اتجاه 150 درجه وارتفع الي ارتفاع 4 كيلو، ارتفاعات المعادي 4 كيلو و 3 كيلو ونص ويتجه للشرق))
جاجوار ليدر (( دخلني عليه علي طول ))
صفوان (( مش هنلحق ))
جاجوار ليدر (( هافتح الافتر برنر )) – اي زياده سرعه الطائرة للسرعه القصوي
كان الملاحظ لي فور اقلاعي ان الموجه الارضي ينفذ التعليمات الصادرة له
بتجنب الاشتباك وظهر ذلك جليا بانه يخبرني بأنني لن الحق بطائرات العدو رغم
ان المسافه بيننا 150 كيلو فقط وفي اتجاه متقابل ، اي انني يمكن ان اشتبك
معها بسهوله ، ولم يكن احد غير الله وحسن لطفي يعلم بنيتي في الاشتباك
الفعلي ، لذلك توقع الموجه الارضي انني ساظل اناور بعيد عن الطائرات
المعاديه طمعا في ان تخاف وترتد لكنني كنت قد حزمت امري فور الاقلاع بانني
مقلع للاشتباك مع العدو وليكن ما يكون حتي لو ادي ذلك لنشوب الحرب .
وفتحت السرعه الي السرعه القصوي وعلي يساري حسن لطفي ، وبعد ثوان اقلع حسن
الرافعي ومعه صفاء الدين خلفنا لكنهم لم يعرفوا اتجاهنا ومكاننا بعد واسمهم
الكودي جاجوار 3 و 4
صفوان (( الهدف بدأ يتجه لليمين المسافه 150 كيلو الساعه 11 بالنسبه لك ))
توضيح من الكاتب
الساعه 11 – ضع نفسك مكان مركز عقارب الساعه ستجد علامه الساعه 11 امامك الي اليسار قليلا
جاجوار ليدر (( اوكي ))
صفوان (( جاجوار 3 اتجه الي اتجاه 150 كيلو ارتفاع 4 كيلو ))
بدأ الموجه في بني سويف حشد الطائرات لكي يستعرض القوه امام قوه العدو
الجويه لكنه لم يكن بنيتي في الاشتباك وعدم تنفيذ تعليماته الملاحيه
جاجوار ليدر (( صواريخ اون )) اي تسليح الصواريخ
جاجوار 2 (( روجر )) اي علم وتم تسليح الصواريخ وهو اخر احساس اقوم بتوصيله
لزميلي عبر اللاسلكي الا وهو اننا داخلين للاشتباك الفعلي
صفوان (( جاجوار ليدر – موقف العدو كالاتي فيه فينجر فور معادي شرق الزغفرانه مسافه 20 كيلو ارتفاع 5 كيلو ويتجه شمالا ))
ولم ارد علي الموجه الارضي وقتها فهو يقوم بتوجيهي علي الابتعاد عن العدو
بينما اخبرت صفاء في اللاسلكي انه هو جاجوار ليدر لكي ينفذ تعليمات الموجه
الارضي ، وبدأ تشكيل صفاء والرافعي في الدوران لتنفيذ تعليمات الموجه لي
انا ، وقد قصدت بذلك ان ابعد الموجه عني وان يستمر في الحوار مع صفاء وهو
يظن ان يحدثني انا ، وعندما ظهر له علي الرادار ان هناك طائرتين تقتربان
بسرعه كبيرة من تشكيل العدو ولا ينفذ التعليمات ، اصدر الموجه تعليمات
بأقلاع فينجر فور من مطار بير عريضه واسم المطار الكودي هو الربيع بينما
التشكيل اسمه الكودي ليدر 1
وبدأ الموجه اعطاء تعليمات لتلك الطائرات بقياده قائد السرب كمال فخر الدين
بتدعيم تشكيل طائرتي لكي يظهر لليهود ان سته طائرات مصريه وخلفهم طائرتين
خلفهم تقتربان منهم فيقوموا بالغاء مهمه الاستطلاع
لكن ما حدث غير ذلك .
فقد استمر جاجوار 3 بتنفيذ تعليمات الموجه لي انا ، فظل يدور في دوائر حول
المطار بينما الموجه يحاول باستماته ان ينفذ تعليمات الاشتباك بعدم
الاشتباك
صفوان (( ليدر 1 انت طالع من الربيع ؟))
ليدر 1 (( ايوة ))
صفوان (( اتجه اتجاه 180 ))
وكان الموجه في حيرة كبيرة فانا لا انفذ التعليمات الصادرة وأستمر في
الطيران باتجاه مستقيم بينما ينفذها تشكيل صفاء والرافعي والفارق بيننا
يزيد باستمرار والمسافه تقل باستمرار بيني مع تشكيل العدو
صفوان (( ليدر 1 هتخش علي جاجوار 1 عشان تكونوا تشكيل واحد))
المنصوري (( بس دخلني علي الناس اللي هناك )) اقصد الاسرائيليين
صفوان (( الناس اللي هناك لسه علي مسافه 120 كيلو )) لم يكن ذلك صحيحا ففي
نفس الوقت كنت اري العدو بالعين المجرده ففي تلك الثوان رصدت اربع طائرات
معاديه (فينجر فور) بينما هناك طائرتين (سيكشن ) يطير علي ارتفاع منخفض جدا
فوق سطح الماء ، وهو تكتيك اصبحنا نحفظه تماما ، فالهدف مما يقومون به هو
ان ارتفع للاشتباك مع الطائرات الاربع التي اراها جيدا ، في تلك اللحظه
تطبق علي الطائرتين اللتين تطيران علي ارتفاع منخفض وتطلق النار علي في
مقتل ، وانا متأكد تمام التأكد ان قائد هذا التشكيل عندما رصدنا في البدايه
تأكد انه بصدد مقابله طيارين هواه ومجانين ، فطائرتين ميج 21 مسلحتين
بأربع صواريخ واربعمائه طلقه ككل تدخل في مواجهه ست طائرات فانتوم مسلحه ب
ثماني واربعين صاروخا وما يزيد عن ثلاثين الف طلقه .
لذلك كنت اكاد اري ابتسامه السخريه علي وجه قائد التشكيل الاسرائيلي وهو
يعطي اوامرة بنصب كمين لهؤلاء الهواه الذين يدخلون النار ، لكنهم يقينا لم
يكن يعلم انه امام طياري مصر الذين يطلبون النصر والشهاده معا واننا كنا
ندخل هذه المعركه بدافع النصر وليس الانتحار، فلدينا من الثقه في أنفسنا
ومعدتنا اكبر من ان ننتحر .
ورغم نداءات الموجه الارضي لي المتكررة وقائد تشكيل بير عريضه للانضمام الي التشكيل فلم ارد لانني
High Speed Attackبدأت بالفعل تنفيذ عمليه هجوم سريع
كنت اهدف الي الارتفاع خلف الطائرات الاربع الطعم لي ، ثم التف في مناورة
مفاجئه الي الطائرتين اللتين في الخلف لاهاجمهم بقوة ومفاجئه وجها لوجه
مستغلا المفاجئه
صفوان (( جاجوار ليدر حدد مكانك ))
لا رد من المنصوري والموجه يكرر النداء وبعد فترة صمت
المنصوري منفعلا (( رصدت طائرتين علي وش الميه )) واشرت الي حسن لطفي بمكان الطائرات ورد علي بالاشارة بانه رأها .
كانت حاله التخبط تشمل تشكيل صفاء و الرافعي وتشكيل مطار بير عريضه فهم
يحاولون الانضمام لي وهم لا يعرفون مكاني والموجه يقوم بتوجيه طائرات صفاء
الذين يستخدمون اسمي الكودي ظنا انه يوجهني
فالمسافه بيني وبينهم اكبر من 150 كيلو والموجه يعتقد انني وسطهم .
Turn To The Left صفوان (( جاجوار ليدر ابتعد تجاه اليمين ))
المنصوري (( انا شايف فينجر فور امامي وسيكشن داخل علي ))
يبدو ان حاله التخبط التي حدثت للموجه الارضي نتيجه عدم تحكمه في التشكيل
قد ادت الي دخول موجه اخر وهو طيار قديم اسمه عثمان ذهني وهو طيار قدير جدا
وحالت حالته الصحيه دون استمراره في الطيران ، فتم اسناد مهام التوجيه
الارضي له لاستغلال خبرته الجويه الواسعه ، وتدخل عثمان ذهني في الحوار
باسم صفوان 2 وكان صوته هادئا جدا وواثقا بدرجه كبيرة اراحتني كثيرا في
الاشتباك
صفوان 2 (( احنا شايفين فينجر فور امامك علي ارتفاع 5 كيلو بس مش شايفين
السيكشن ده ، تأكد من مسارك واتجه تجاه الساحل ومتعديش الخليج))
ويظهر صوت الموجه الاول مستخدما ميكرفون اخر صائحا في ذعر
(( متعديش الخليج – متعديش الخليج ))
وبدأت الاشتباك مع الطائرتين اللتين كانا ينصبان كمينا لي و في اقل من
ثلاثين ثانيه أستطعت بتوفيق الله ان اسقط طائرة فانتوم بصاروخين متتاليين
عندما فوجئت بمناورتي انا وحسن تجاهها واعطتني تلك المناورة الافضليه في
هذا الاشتباك ، فأطلقت صاروخين متتالين هما كل ما املك من صواريخ ، اول
صاروخ اطلقته من مسافه كيلو ومائتي متر اصاب جناح الطائرة والصاروخ الاخر
انفجر بها ، لتنفجر الطائرة ويتناثر حطامها علي مياه الخليج ، بدون ان ينجو
اي من الطيار او الملاح.
صفوان 2 (( جاجوار ليدر كومبانت تيرن واطلع الي 4 كيلو )) اي ناور وارتفع
جاجوار ليدر منفعلا (( كومبانت ايه ، انا مشتبك دلوقت مع طيارة معاديه ))
صفوان 2 (( متخشش وراهم ارضهم خليك فوق الخليج ))
كانت المعركه تجور رحاها بيني انا وحسن وبين طائرة فانتوم اخري بينما بقيه الفانتوم التي كانت طعم لنا تعود لنجده الطائرة المنفرده
صفوان 2 بصوت هادئ (( جاجوار ليدر–فيه فينجر فور معادي ارتفاع 4 كيلو مسافه 20 كيلو جاي وراك))
و هنا بدأت خطورة الموقف ، فطائرات العدو أستيقظت من الهجوم المفاجئ لي و
بدأت تتعامل معي بينما الموجه الاول يحاول حشد الطائرات تجاهي لدعمي سريعا
لنجده الموقف و لم يكن هناك شيئا ممكن ان اقوم به سوي استمرار المناوره مع
الطائرات المعاديه وكنت اعتمد علي صوت عثمان ذهني في النفاذ من طائرات
العدو الاربع المقبله علي باقصي سرعه فصوته ياتي الي وكانه داخلالكابينه
معي وليس علي مسافه 150 كيلو مني ،وكانت توجيهاته المستمرة لي باقتراب
التشكيل المعادي تدريجيا وبسبب خبرته العاليه ومعرفته بي وباسلوب طيراني
سببا في افلاتي من الطائرات الاربع.
فمع اقتراب الطائرات الاربع الاسرائيلي الاضافيه كنت قد استخدمت انا وحسن
صواريخنا وطلاقات مدافعنا كلها في اسقاط الطائرة الاولي ومحاوله اسقاط
الاخري .
صفوان 2 (( ليدر 1 اتجه الي منطقه 65- عشان تغطي جاجوار ليدر وهو راجع ))
محاولا تصحيح مسار طائرات بير عريضه تجاه مكان المعركه لنجدتنا
صفوان 2 (( جاجوار ليدر – خلي بالك من المعادي وراك خليك جواه علي طول لو بتلف وراك اقطع عليه ))
الموجه يستمر في توجيهي خلال المعركه ناصحا بان اكون في موقف احسن من طائرات العدو
صفوان 2 (( ليدر 1 خش علي الخليج باتجاه 030 افتر برنر اون ))
و بدأت حفله من الطائرات الخمس الاسرائيلي علي طائرتينا ، فصواريخ الفانتوم
و طلقاتها انطلقت علينا بغزارة لا حصر لها ، و لولا توفيق الله و التدريب
العالي و الثقة المتبادلة بيني و بين حسن ما كنا نجونا من تلك الحفله ،
فبدات انا و حسن نناور لتخليص كل مننا الاخر من طائرات العدو المتفوقه
علينا عددا و تسليحا و كيفا و وقودا.
وينفذ حسن مناورة رائعه ليفلت من فانتوم في ذيله
جاجوار ليدر (( فري نايس يا حسن))
صفوان 2 (( المعادي بالنسبه لك الساعه 8 مسافه 6 كيلو خش عليه – خش عليه ))
جاجوار ليدر ((كومبانت يسار ))
صفوان 2 (( ليدر 1 خش عليه برنر اون ))
ليدر 1 (( اوكي – ارتفاعنا 7 كيلو اتجاه 060 افتر برنر اون ))
صفوان 2 (( جاجوار ليدر – الموقف عندك عامل ايه ))
جاجوار ليدر منفعلا (( مستمر في الاشتباك – شد يا حسن – شد يا حسن فوق ))
صفوان 2 (( جاجوار ليدر خلي بالك من الطائرات المعاديه ))
صفوان 2 ((ليدر 1 الموقف دلوقت طياراتنا مشتبكه مسافه 30 كيلو اتجاه 090 وراها طيارات معاديه مسافه 10 كيلو منها ))
صفوان 2 (( كمل علي اتجاه 270 يا جاجوار ليدر ))
فكلما بدأ صاروخ في الانطلاق من طائرة فانتوم كنا نطير تجاه الصاروخ لكي
نسبقه قبل ان يبدأ جهاز توجيه الصاروخ في العمل ، و لا اعتقد أن هناك ثقة
فيمن معك اكبر من انك تطلب منه ان يطير تجاه الصاروخ المعادي المنطلق نحوة
لكي ينتحر الصاروخ ولا يتم توجيهه نحونا ويقوم زميلك بتنفيذ المناورة وينجو
منها و يقوم هو بنفس الشئ معي ، فكأنما تراقص الاسرائيليين علي انغام
مناوراتنا طوال ثلاث عشر دقيقه
كامله لم تستطع اي طائرة اسرائيلي ان تصيب اي منا ، لدرجه انهم احسوا
باليأس منا ، فما لدينا من وقود معروف لهم تقديرا و عودتنا إلي أي مطار
أصبحت مستحيلة ، فمصيرنا الموت او علي الاقل سنخسر طائرتين مصر في امس
الحاجه لهم في هذا الوقت.
ليدر1 (( جاجوار ليدر انت لسه مشتبك لسه ؟؟))
صفوان 2 (( ليدر 1 الاشتباك قدامك جري لك ايه ؟))
ليدر 1 (( انا مش شايف الاشتباك ))
صفوان 2 (( جاجوار ليدر الطائرات بتاعتنا داخله عليك كومبانت تيرن ))
صفوان 2 (( ليدر 1 الاشتباك بالنسبه لك الساعه 12 المسافه 25 كيلو اطلع لارتفاع 6 كيلو ))
ليدر 1 (( مش شايف حاجه ابدا !!!!!)
صفوان 2 (( ليدر 1 الاشتباك قدامك ارتفاع 4 كيلو ))
جاجوار ليدر (( الاشتباك مستمر – فين طياراتنا ))
صفوان 2 (( جاجوار 2 طياراتنا الساعه 9 عندك خذ بالك ))
صفوان 2 (( ليدر 1 شفت الاشتباك ؟؟!!))
صفوان 2 صائحا بعنف (( ليدر 1 اعمل كومبانت تيرن وارجع الاشتباك وراك مسافه 5 كيلو، اشتغل بقه ))
جاجوار 1 (( الفورميتر معايا ومعناش الا 200 لتر بس)) وكلمه فورميتر تعني الطائرة رقم2اي حسن لطفي
صفوان 2 (( محدش يعدي الخليج ))
كان تشكيل الدعم القادم من مطار بير عريضه غير متمكن ان يدخل الي المعركه
بسبب السحاب الكثيف فلم يتمكن من رؤيه المعركه للدخول في الاشتباك رغم
توجيهات الموجه الارضي ، لكن الطائرات الاسرائيليه المزوده برادارات مستقله
رصدت هذا التشكيل و توقعت اشتراكه في المعركه في اي لحظه.
كنت أدعو الله أن ينجينا مما نحن فيه ، فمنذ اقلعت انا و زميلي كنا في يدي
الله تصويبنا بقدرته ، و حياتنا بمشيئته ، و نجاتنا بقدرته.
و فجأة تتخلص الطائرات الاسرائيليه من الاشتباك ، و تخلصنا نحن من الاشتباك
ايضا ، و بدأنا نتجه غربا للعوده الي فوق الاراضي المصريه ، فالاشتباك كله
دار فوق مياه خليج السويس. و يظهر صوت قائد السرب 49 قتال المقدم تميم
مخبرنا في اللاسلكي بتعليمات صارمه:
تميم (( كل التشكيلات ترجع للقاعده)) و يكرر الأمر
و يرد كل قاده التشكيلات الطائرة بالعلم فيستطرد المقدم تميم
تميم (( جاجوار ليدر ارجع للقاعده ))
جاجوار ليدر (( وجهني علي بير عريضه انا علي حافه الخليج )) رغم ان وقودي لا يكفي الا لاقل من دقيقه لكني رغبت ان اقترب من اتجاه اي مطار مصري بقدر الامكان
ويخبرني حسن بعوده الطائرات الاسرائيلي خلفنا مره اخري ، ويقول لي ان ما لديه من وقود هو 200 لتر فقط اي ما يسمح بالطيران لمده دقيقه
واحده فقط ، فأشير اليه بالاشتباك مع طائرات العدو التي تفاجئ بنا نعود
للاشتباك مرة اخري رغم وضعنا ، فلا وقود لدينا ولا سلاح ، فماذا نكون سوي
مجانين تسعي الي الموت سعيا ،
جاجوار ليدر (( ورايا طائرات معاديه ))
صفوان 2 (( دي طياراتنا احنا ))
جاجوار ليدر (( بقولك ورايا طائرات معاديه ))
صفوان 2 (( كل الطيارات ترجع بير عريضه ))
صفوان 2 بصوت حاسم (( اللي معاه طيارات معاديه يشتبك علي طول ))
كنا نحاول ان نصطدم بطائرات العدو لتدميرها ، وعندما أيقن اليهود انهم امام
طيارين من نوع اخر غير معهود لديهم ، تخصلوا من الاشتباك مرة اخري وهو ما
يعتبر في عرف الطيران هزيمه لهم
وانسحبوا.
و بدأنا نتجه تجاه الساحل وانا معي 100 لتر فقط من الوقود باحثا عن مكان
يصلح للهبوط السريع ، واذا بي افاجأ بمدفعيات مضاده للطائرات تنطلق نحونا
من احد الوحدات الارضيه (اللواء الاول ميكانيكي )
صفوان 2 (( كل الطيارات تنزل بير عريضه ))
جاجوار ليدر (( معايا 100 لتر يا جدعان ))
تميم صائحا في صفوان (( بيقولك وجهني علي بير عريضه ))
ليدر 1 (( في طيارةهيلكوبتر بتلمع علي ارتفاع منخفض جدا الساعه 1 عندي ))
و كانت تلك طائرة هيلكوبتر اسرائيلي تطوف الخليج بحثا عن ناجيين من الفانتوم المحطمه
و يتدخل صفاء الدين في الحوار معلنا بهدوء وضعه من الوقود ومكانه
جاجوار 3 (( معايا 1600 لتر وانا فوق مطار بني سويف ))
تميم (( فيه 12 طيارة في الجو دلوقت ))
و نظرا لسوء موقفنا فلم يكن لتلك المضادات الارضيه اي فارق علي حالنا ،
مجرد انهم صعبوا علينا الامر اكثر ، فقمت بالاتصال بقاعدتي وابلغتهم بانني
ساهبط علي الطريق واخبرتهم بمكاننا لارسال طائرة هيلكوبتر لالتقاطنا.
و بعد أن قمت بالدوران للهبوط وجدت تشكيل يقوده زميلي سيد رزق أسمه بلاك
ليدر يقترب مني و يخبرني انه سيقوم بحمايتي حتي اهبط ليحدد مكاننا بدقه
للانقاذ القادم لنا.
تميم (( اللي عايز ينزل علي الطريق ينزل ))
و أخبرت حسن أن يكون اعلي مني لكي اختار مكانا اهبط عليه اولا لكي اختبرة
فإن مت يختار هو مكانا اخرا يهبط فيه ، و بدأت الهبوط علي الطريق الذي
يحدوه الجبال من الطرفين بينما ساحل البحر خلفه كأصعب ما يكون الهبوط ، و
فجأة يتوقف محرك الطائرة ، و كانت تعليمات الخبراء في كتيب الصيانه ان
الطيار يقفز فور توقف المحرك لان جميع اجزاء الطائرة تعمل بالهيدروليك و
تتوقف تماما عن العمل فور توقف المحرك، مما يعني انعدام التحكم بالطائرة و
تم الاستعانة الكاملة بالله و اخذ القرار بالهبوط لانني كنت اريد ان يكون
انتصارا كاملا حتى النهاية ، فلا يجب ان يفوز الاسرائيليين بأي شئ في هذا
الاشتباك و لو حتى تدمير طائرة لنا لان وقودها قد انتهي.
و لمست عجلات الطائرة ارض الطريق بعد متر او اثنين متر من حافه الطريق
لتندفع الطائرة علي سرعتها لافاجئ بعربه نقل كبيرة بمقطورة أمامي يقفز
ركابها منها فزعا ويتركونها امامي علي الطريق فرفعت مجموعه العجلات الخلفيه
فورا ليبدأ باطن الطائرة في الاحتكاك بالارض و تتوقف الطائرة فورا وسط
الرمال علي جانب الطريق.
أما حسن لطفي فقد خانه تقدير بدايه الطريق ، و عندما بدأ الاقتراب النهائي للهبوط ، لمست عجلاته الخلفيه
حافه الطريق البارزة ما بين الاسفلت و بين شاطئ الخليج ، لتنقلب طائرته و
تنفجر و يستشهد الطيار حسن لطفي بعد ان أدى واجبه كاملا ، و يزف إلي الجنة
في أجمل و اطهر ما يكون اللقاء.
هبطت من الطائرة ساجدا لله لتنهار قواي و أنا ساجد و يغمي علي ، لتبدأ
الاصوات تعود الي ببطء علي صوت طائرة هيلكوبتر اسرائيلي تقترب مني محاوله
ان تأسرني ، نفس الطائرة التي ابلغ عنها ليدر 1 ، لكن المضادات المصريه
طردتها بسرعه ، و أيقن رجال اللواء المصري ان الطائرة الاسرائيليه تبحث عن
طيار اسرائيلي كعادتهم دوما، فتوجهوا نحوي و أسروني و أوسعوني ضربا و أنا
مغمي علي و لا اقوي علي الكلام و سببوا لي كدمات في العمود الفقري.
فقد كان رجال هذا اللواء المعزول علي ساحل الخليج عرضه لالاعيب العدو
الشيطانيه ، فكانت طائرات الهليكوبتر المعاديه تطير فوقهم ليلا و تلقي
معلبات الأكل و العصائر ، فيظن الجنود انها هليكوبتر مصري خاصه و أن الجو
ليلا و الرؤية صعبه و من في الطائرة يتحدث العربية.
و فور تجمع الجنود حول امدادات الغذاء يتم القاء براميل نابالم عليهم و حصد
أرواحهم حرقا، فكان حقد جنود هذه الوحده المعزوله علي الاسرائيليين و خاصة
الطيران الإسرائيلي عظيما ، و عندما وجدوني لم ينتظروا اي يتعرفوا علي.
و صلت طائرة هيلكوبتر مصري لالتقاطي و بها عدد من الفنيين للاطمئنان علي
طائرتي يقودها الطيار عمر لطفي و الذي كان في دهشه مما يراه ، فلاول مرة
يشاهد طيار مصري طائرة مقاتله تهبط علي طريق و تظل سليمة خاصة طريق بهذا
السوء ملئ بالحفر ، فما كان منه الا انه اكتفي بترديد سبحان الله و هو
مندهش.
و عدت إلي مطار بني سويف ، و تم وضع شباك تمويه علي الطائرة لحمايتها و
إخفاءها في ذلك الوقت كان اللواء طيار حسني مبارك في زيارة الي ليبيا فأعطى
تعليمات بان تظل تلك الطائرة علي الطريق حتي الصباح التالي حيث ان الطريق
يؤدي الي الكريمات ثم حلوان حيث ورشه اصلاح الطائرات و التي بدورها أرسلت
سيارة نقل و جرار قطر طائرات لشحن الطائرة.
المفاجأة أن طائرة هيلكوبتر اسرائيلي هبطت ليلا لقطع الطريق علي سياره
النقل التي من المفترض انها تجر الطائرة لكن قرار اللواء مبارك بتاجيل نقل
الطائرة ادي الي تفادي الوقوع في هذا الكمين بعنايه الله ، و في الصباح
التالي عثرت دوريه من حرس الحدود علي اثار تلك الطائره و بقايا معلبات
إسرائيلي بجوارها.
عدت إلي قاعدتي لأجد اللواء محمد نبيه المسيري أركان حرب القوات الجويه
منتظرني في المطار لكن الفنيين و الجنود و الطيارين زملائي الذين علموا
بتلك المعركه حملوني علي الاعناق و الهتاف بحياة مصر لأنال اعلي تقدير
معنوي اناله في حياتي من احد.
و تمت مناقشه نتائج المعركه مع اللواء محمد نبيه المسيري فورا بعد ان تلقيت
منه التهانئ ، و تلي ذلك تكريم من اللواء محمد حسني مبارك قائد القوات
الجوية المصرية ثم من المشير احمد اسماعيل وزير الحربية ثم من الرئيس محمد
أنور السادات نفسه حيث اخبرته انه لو عاد بي الزمن لقمت بنفس العمل لان كل
شئ يهون في سبيل مصر و كرامه مصر و بسبب هذا الاشتباك نلت وسام الشجاعه و
وسام النجمة العسكرية ، و حاليا ترقد طائرتي التي شاركت في هذه المعركه في
بانوراما حرب أكتوبر و أرقامها 8040
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
معاينة صفحة البيانات الشخصي للعضو ارسل رسالة ارسل البريد الإلكتروني