سيظل التاريخ حافظاً لبطولاته وأمجاده
عمر المختار .. مجاهد بهر أعداءه وشانقيه
الشيخ المجاهد بعد القبض عليه
• رئيس الوزارء الإيطالي برلسكوني انحنى أمام ابن عمر المختار معتذراً عن المرحلة الاستعمارية وما سببته إيطاليا من مآسٍ
للشعب الليبي
• المحكمة اكتفت باعترافه أنه قائد المقاومة
•
آخر كلماته:نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت وهذه ليست النهاية
• قال: ما أرتكب ضد إيطاليا والإيطاليين منذ عشر سنوات وحتى الآن كان بإرادتي وإذني عندما لم أشترك أنا نفسي في تلك
الأفعال
• لم تستغرق المحاكمة الصورية أكثر من ساعة صدر بعدها حكم الإعدام
• قال الشيخ بعد سماعه حكم إعدامه «إن الحكم إلا لله .. لا حكمكم المزيف .. إنا لله وإناإليه راجعون»
.
• الإيطاليون وصفوا فاطمة العبارية بـ «المرأة التي كسرت جدار الصمت»
عمر المختار من الأسماء القليلة التي برزت ولعبت أدوارا هامة في تاريخ الجهاد في ليبيا منذ عام 1911 وحتى استشهاده
عام 1931 بعد أن ملأ الدنيا بأخباره وأعماله وترك أثره في كل ناحية من نواحي الإدارة والحرب والتنظيم المالي
والاجتماعي والحربي في حركة الجهاد العربي الليبي. نعرض قصته في حلقتين، تحكي الحلقة الأولى عن نشأته وتاريخ جهاده
وحتى أسره .. والحلقة الثانية توضح محاكمته وإعدامه من قبل قوات الاحتلال الايطالية.
وصل غراتسياني إلى بنغازي يوم 14 سبتمبر، وأعلن عن انعقاد «المحكمة الخاصة» يوم 15 سبتمبر 1931م، وفي صبيحة
ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرسياني في الحديث مع عمر المختار، يذكر غرسياني في كتابه (برقة المهدأة):
«وعندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أن أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية.
يداه مكبلتان بالسلاسل، رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة، وكان وجهه مضغوطا لأنه كان مغطيا رأسه
(بالَجَرِدْ) ويجر نفسه بصعوبة نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر، وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له
منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر، ها هو واقف أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح».
غراتسياني: لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشستية؟
أجاب الشيخ: من أجل ديني ووطني.
غراتسياني:ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه؟
أجاب الشيخ: لا شيء إلا طردكم … لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.
غراتسياني: لما لك من نفوذ وجاه، في كم يوم يمكنك إن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم؟
أجاب الشيخ: لا يمكنني أن أعمل أي شيء … وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الآخر، ولا
نسلم أو نلقي السلاح…
ويستطرد غرسياني حديثه «وعندما وقف ليتهيأ للانصراف كان جبينه وضاء كأن هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من
جلالة الموقف أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية ولقبت بأسد الصحراء. ورغم هذا فقد كانت شفتاي
ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد، فانهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء،
وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانت مكبلة بالحديد».
المحاكمة
عقدت للشيخ الشهيد محكمة صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع
في 15 سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت، وعندما ترجم له الحكم، قال
الشيخ «إن الحكم إلا لله … لا حكمكم المزيف... إنا لله وإناإليه راجعون».
يعلن الرئيس افتتاح الجلسة. فيحضر أيضا المترجم السيد نصري هرمس الذي يطلب إليه الرئيس الادلاء ببيانات هويته فيجيب:
- نصري هرمس، ابن المتوفى ميشيل، وعمري 53 سنة، ولدت في ديار بكر ببلاد ما بين النهرين (العراق) رئيس مكتب
الترجمة لدى حكومة برقة.
يكلفه الرئيس بأداء اليمين المقررة، بعد تحذيره حسبما هو مقرر، فيؤديها بصوت عال وبالصيغة التالية: (أقسم بأنني سأنقل
الأسئلة إلى الشخص المقرر استجوابه بواسطتي بأمانة وصدق، وبأن أنقل الردود بأمانة).
فيوجه الرئيس، عن طريق الترجمان، أسئلة للمتهم حول هويته، فيدلي بها بما يتفق مع ما تقدم، ومن ثم ينبه عليه بالانصات
إلى ما سيسمع. وعند هذه النقطة، يثبت في المحضر طلب وكيل النيابة بإعفاء المترجم نصري من المهمة بسبب وعكة ألمت
به والاستعاضة عنه بالكواليير لومبروزو ابن آرونه وماريا قاندوس، المولود بتونس في 27 - 2 - 1891م، ومهنته
صناعي.
فيكلفه الرئيس بأداء اليمين المقررة، بعد تحذيره نظاميا؛ يتلو كاتب الجلسة صحيفة الاتهام، فيتولى الترجمان ترجمتها للمتهم،
ويسرد بعدها قائمة المستندات والوثائق المتصلة بالدعوى، وبعد سردها يكلف الرئيس الترجمان بترجمتها، حيث إن المتهم غير
ملم باللغة الإيطالية، ومن ثم يبدأ استجوابه حول الأفعال المنسوبة إليه؛ فيرد عليها، ويتولى الترجمان ترجمة ردود المتهم
عليها.
يثبت بالمحضر أن المتهم يرد بانتظام عن كل اتهام حسب ما جاء في محضر استجوابه المكتوب، معترفا بأنه زعيم المقاومة في
برقة وبهذه الصفة فهو الفاعل والمحرض لجميع الجرائم التي اقترفت في أراضي المستعمرة خلال العقد الأخير من الزمن،
أي الفترة التي ظل خلالها الرئيس الفعلي للمقاومة.
وردا على سؤال، يجيب: منذ عشر سنوات، تقريبا، وأنا رئيس المحافظية. ويثبت هنا أن المتهم ظل يرد عن كل سؤال محدد
حول تهمة بعينها، بقوله: (لا فائدة من سؤالي عن وقائع منفردة، وما أرتكب ضد إيطاليا والإيطاليين، منذ عشر سنوات وحتى
الآن، كان بإرادتي وإذني، عندما لم أشترك أنا نفسي في تلك الأفعال ذاتها).
وردا على سؤال، يجيب: (كانت الغارات تنفذ أيضا بأمري وبعضها قمت بها أنا نفسي). يعطي الرئيس الكلمة لوكيل النيابة:
بعد أن تناول الكلمة، أوجز مطلبه في أن تتكرم المحكمة، بعد تأكيد إدانة المتهم بالجرائم المنسوبة إليه، بإصدار حكم الإعدام
عليه وما يترتب عليه من عواقب.
ينهي الدفاع بدوره مرافعته بطلب الرأفة بالمتهم. وبعدما أعطى المتهم الكلمة كآخر المتحدثين، يعلن الرئيس قفل باب المناقشة،
وتنسحب هيئة المحكمة إلى حجرة المداولة لتحديد الحكم. عادت المحكمة بعد قليل إلى قاعة الجلسات؛ لينطق الرئيس بصوت
عال بالحكم بالإدانة، بحضور جميع الأطراف المعنية. فيقوم الترجمان بترجمة منطوق الحكم. أثبت تحريريا كل ما تقدم بهذا المحضر الذي وقع عليه: كاتب المحكمة العسكري.
الإمضاء: ادواردو ديه كريستوفانو، الرئيس (المقدم الكاواليير أوميركو مانزولي). كاتب المحكمة العسكرية، الإمضاء:
ادواردوديه كريستوفاني
(Edoardo De Cristofano). الرئيس: (المقدم الكاواليير أوميركو مانزوني) الإمضاء: أومبيرتو مانزوني
(Umberto Marinoni). كاتب المحكمة العسكرية بالنيابة
إعدام الشيخ
في صباح اليوم التالي للمحاكمة الأربعاء، 16 سبتمبر 1931 الأول من شهر جمادى الأول من عام 1350 هـ، اتخذت
جميع التدابيراللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، واحضر 20 ألف من الأهالي
وجميع المعتقلين السياسيين خصيصاً من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم. واحضر الشيخ عمر المختار مكبل
الأيدي، وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر، وبدأت الطائرات تحلق في الفضاء فوق المعتقلين بأزيز مجلجل حتى لا
يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم .. في تمام الساعة التاسعة صباحاً سلم الشيخ إلى الجلاد، وكان وجهه يتهلل استبشاراً
بالشهادة وكله ثبات وهدوء، فوضع حبل المشنقة في عنقه، وقيل عن بعض الناس الذين كانوا على مقربة منه انه كان يؤذن في
صوت خافت أذان الصلاة، والبعض قال انه تتمتم بالآية الكريمة «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية»
ليجعلها مسك ختام حياته البطولية.
سبق إعدام الشيخ أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أو يظهر البكاء عند إعدام عمر المختار، فقد ضرب
جربوع عبد الجليل ضرباً مبرحاً بسبب بكائه عند إعدام عمر المختار. ولكن علت أصوات الاحتجاج ولم تكبحها سياط
الطليان، فصرخت فاطمة داروها العبارية وندبت فجيعة الوطن عندما علا الشيخ شامخاً مشنوقاً، ووصفها الطليان «بالمرأة
التي كسرت جدار الصمت».
أما المفارقة التاريخية التي أذهلت المراقبين فقد حدثت في سبتمبر 2008 عندما انحنى رئيس الوزارء الإيطالي برلسكوني،
أمام ابن عمر المختار معتذراً عن المرحلة الاستعمارية وما سببته إيطاليا من مآسٍ للشعب الليبي، وهي الصورة التي قورنت
بصورة تاريخية أخرى يظهر فيها عمر المختار مكبلاً بالأغلال قبيل إعدامه.
آخر كلمات الشهيد
كانت آخر كلمات عمر المختار قبل اعدامه:
«نحن لا نستسلم... ننتصر أو نموت.... وهذه ليست النهاية... بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والاجيال التي
تليه... أما أنا... فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي
».
عمر المختار .. مجاهد بهر أعداءه وشانقيه
الشيخ المجاهد بعد القبض عليه
• رئيس الوزارء الإيطالي برلسكوني انحنى أمام ابن عمر المختار معتذراً عن المرحلة الاستعمارية وما سببته إيطاليا من مآسٍ
للشعب الليبي
• المحكمة اكتفت باعترافه أنه قائد المقاومة
•
آخر كلماته:نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت وهذه ليست النهاية
• قال: ما أرتكب ضد إيطاليا والإيطاليين منذ عشر سنوات وحتى الآن كان بإرادتي وإذني عندما لم أشترك أنا نفسي في تلك
الأفعال
• لم تستغرق المحاكمة الصورية أكثر من ساعة صدر بعدها حكم الإعدام
• قال الشيخ بعد سماعه حكم إعدامه «إن الحكم إلا لله .. لا حكمكم المزيف .. إنا لله وإناإليه راجعون»
.
• الإيطاليون وصفوا فاطمة العبارية بـ «المرأة التي كسرت جدار الصمت»
عمر المختار من الأسماء القليلة التي برزت ولعبت أدوارا هامة في تاريخ الجهاد في ليبيا منذ عام 1911 وحتى استشهاده
عام 1931 بعد أن ملأ الدنيا بأخباره وأعماله وترك أثره في كل ناحية من نواحي الإدارة والحرب والتنظيم المالي
والاجتماعي والحربي في حركة الجهاد العربي الليبي. نعرض قصته في حلقتين، تحكي الحلقة الأولى عن نشأته وتاريخ جهاده
وحتى أسره .. والحلقة الثانية توضح محاكمته وإعدامه من قبل قوات الاحتلال الايطالية.
وصل غراتسياني إلى بنغازي يوم 14 سبتمبر، وأعلن عن انعقاد «المحكمة الخاصة» يوم 15 سبتمبر 1931م، وفي صبيحة
ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرسياني في الحديث مع عمر المختار، يذكر غرسياني في كتابه (برقة المهدأة):
«وعندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أن أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية.
يداه مكبلتان بالسلاسل، رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة، وكان وجهه مضغوطا لأنه كان مغطيا رأسه
(بالَجَرِدْ) ويجر نفسه بصعوبة نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر، وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له
منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر، ها هو واقف أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح».
غراتسياني: لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشستية؟
أجاب الشيخ: من أجل ديني ووطني.
غراتسياني:ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه؟
أجاب الشيخ: لا شيء إلا طردكم … لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.
غراتسياني: لما لك من نفوذ وجاه، في كم يوم يمكنك إن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم؟
أجاب الشيخ: لا يمكنني أن أعمل أي شيء … وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الآخر، ولا
نسلم أو نلقي السلاح…
ويستطرد غرسياني حديثه «وعندما وقف ليتهيأ للانصراف كان جبينه وضاء كأن هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من
جلالة الموقف أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية ولقبت بأسد الصحراء. ورغم هذا فقد كانت شفتاي
ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد، فانهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء،
وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانت مكبلة بالحديد».
المحاكمة
عقدت للشيخ الشهيد محكمة صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع
في 15 سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت، وعندما ترجم له الحكم، قال
الشيخ «إن الحكم إلا لله … لا حكمكم المزيف... إنا لله وإناإليه راجعون».
يعلن الرئيس افتتاح الجلسة. فيحضر أيضا المترجم السيد نصري هرمس الذي يطلب إليه الرئيس الادلاء ببيانات هويته فيجيب:
- نصري هرمس، ابن المتوفى ميشيل، وعمري 53 سنة، ولدت في ديار بكر ببلاد ما بين النهرين (العراق) رئيس مكتب
الترجمة لدى حكومة برقة.
يكلفه الرئيس بأداء اليمين المقررة، بعد تحذيره حسبما هو مقرر، فيؤديها بصوت عال وبالصيغة التالية: (أقسم بأنني سأنقل
الأسئلة إلى الشخص المقرر استجوابه بواسطتي بأمانة وصدق، وبأن أنقل الردود بأمانة).
فيوجه الرئيس، عن طريق الترجمان، أسئلة للمتهم حول هويته، فيدلي بها بما يتفق مع ما تقدم، ومن ثم ينبه عليه بالانصات
إلى ما سيسمع. وعند هذه النقطة، يثبت في المحضر طلب وكيل النيابة بإعفاء المترجم نصري من المهمة بسبب وعكة ألمت
به والاستعاضة عنه بالكواليير لومبروزو ابن آرونه وماريا قاندوس، المولود بتونس في 27 - 2 - 1891م، ومهنته
صناعي.
فيكلفه الرئيس بأداء اليمين المقررة، بعد تحذيره نظاميا؛ يتلو كاتب الجلسة صحيفة الاتهام، فيتولى الترجمان ترجمتها للمتهم،
ويسرد بعدها قائمة المستندات والوثائق المتصلة بالدعوى، وبعد سردها يكلف الرئيس الترجمان بترجمتها، حيث إن المتهم غير
ملم باللغة الإيطالية، ومن ثم يبدأ استجوابه حول الأفعال المنسوبة إليه؛ فيرد عليها، ويتولى الترجمان ترجمة ردود المتهم
عليها.
يثبت بالمحضر أن المتهم يرد بانتظام عن كل اتهام حسب ما جاء في محضر استجوابه المكتوب، معترفا بأنه زعيم المقاومة في
برقة وبهذه الصفة فهو الفاعل والمحرض لجميع الجرائم التي اقترفت في أراضي المستعمرة خلال العقد الأخير من الزمن،
أي الفترة التي ظل خلالها الرئيس الفعلي للمقاومة.
وردا على سؤال، يجيب: منذ عشر سنوات، تقريبا، وأنا رئيس المحافظية. ويثبت هنا أن المتهم ظل يرد عن كل سؤال محدد
حول تهمة بعينها، بقوله: (لا فائدة من سؤالي عن وقائع منفردة، وما أرتكب ضد إيطاليا والإيطاليين، منذ عشر سنوات وحتى
الآن، كان بإرادتي وإذني، عندما لم أشترك أنا نفسي في تلك الأفعال ذاتها).
وردا على سؤال، يجيب: (كانت الغارات تنفذ أيضا بأمري وبعضها قمت بها أنا نفسي). يعطي الرئيس الكلمة لوكيل النيابة:
بعد أن تناول الكلمة، أوجز مطلبه في أن تتكرم المحكمة، بعد تأكيد إدانة المتهم بالجرائم المنسوبة إليه، بإصدار حكم الإعدام
عليه وما يترتب عليه من عواقب.
ينهي الدفاع بدوره مرافعته بطلب الرأفة بالمتهم. وبعدما أعطى المتهم الكلمة كآخر المتحدثين، يعلن الرئيس قفل باب المناقشة،
وتنسحب هيئة المحكمة إلى حجرة المداولة لتحديد الحكم. عادت المحكمة بعد قليل إلى قاعة الجلسات؛ لينطق الرئيس بصوت
عال بالحكم بالإدانة، بحضور جميع الأطراف المعنية. فيقوم الترجمان بترجمة منطوق الحكم. أثبت تحريريا كل ما تقدم بهذا المحضر الذي وقع عليه: كاتب المحكمة العسكري.
الإمضاء: ادواردو ديه كريستوفانو، الرئيس (المقدم الكاواليير أوميركو مانزولي). كاتب المحكمة العسكرية، الإمضاء:
ادواردوديه كريستوفاني
(Edoardo De Cristofano). الرئيس: (المقدم الكاواليير أوميركو مانزوني) الإمضاء: أومبيرتو مانزوني
(Umberto Marinoni). كاتب المحكمة العسكرية بالنيابة
إعدام الشيخ
في صباح اليوم التالي للمحاكمة الأربعاء، 16 سبتمبر 1931 الأول من شهر جمادى الأول من عام 1350 هـ، اتخذت
جميع التدابيراللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، واحضر 20 ألف من الأهالي
وجميع المعتقلين السياسيين خصيصاً من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم. واحضر الشيخ عمر المختار مكبل
الأيدي، وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر، وبدأت الطائرات تحلق في الفضاء فوق المعتقلين بأزيز مجلجل حتى لا
يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم .. في تمام الساعة التاسعة صباحاً سلم الشيخ إلى الجلاد، وكان وجهه يتهلل استبشاراً
بالشهادة وكله ثبات وهدوء، فوضع حبل المشنقة في عنقه، وقيل عن بعض الناس الذين كانوا على مقربة منه انه كان يؤذن في
صوت خافت أذان الصلاة، والبعض قال انه تتمتم بالآية الكريمة «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية»
ليجعلها مسك ختام حياته البطولية.
سبق إعدام الشيخ أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أو يظهر البكاء عند إعدام عمر المختار، فقد ضرب
جربوع عبد الجليل ضرباً مبرحاً بسبب بكائه عند إعدام عمر المختار. ولكن علت أصوات الاحتجاج ولم تكبحها سياط
الطليان، فصرخت فاطمة داروها العبارية وندبت فجيعة الوطن عندما علا الشيخ شامخاً مشنوقاً، ووصفها الطليان «بالمرأة
التي كسرت جدار الصمت».
أما المفارقة التاريخية التي أذهلت المراقبين فقد حدثت في سبتمبر 2008 عندما انحنى رئيس الوزارء الإيطالي برلسكوني،
أمام ابن عمر المختار معتذراً عن المرحلة الاستعمارية وما سببته إيطاليا من مآسٍ للشعب الليبي، وهي الصورة التي قورنت
بصورة تاريخية أخرى يظهر فيها عمر المختار مكبلاً بالأغلال قبيل إعدامه.
آخر كلمات الشهيد
كانت آخر كلمات عمر المختار قبل اعدامه:
«نحن لا نستسلم... ننتصر أو نموت.... وهذه ليست النهاية... بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والاجيال التي
تليه... أما أنا... فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي
».